فيقول الله تعالى لخزنة جهنّم :﴿خُذوه فغُلُّوه﴾ أي : فشُدُّوه بالأغلال، بأن تجمع يده إلى عنقه، ﴿ثم الجحيم صَلُّوه﴾ أي : أدخلوه، أي : لا تصلّوه إلاّ للجحيم، وهي النار العظيمة ؛ ليكون الجزاء على وفق المعصية، حيث كان يتعاظم على الناس، ﴿ثم في سلسلة ذَرْعُها﴾ أي : طُولها ﴿سبعون ذراعاً﴾ بذراع الملَك، وقيل : لا يعرف قدرها إلاّ الله، ﴿فاسْلُكُوه﴾ أي : فأدْخِلوه فيها، وقيل : تدخل من دبره وتخرج من منخريه، وقيل : تدخل من قُبله وتخرج من دبره.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٢٦
أِنه كان لا يُؤمن بالله العظيم﴾
، تعليل لاستحقاق العذاب، ووصفه تعالى بالعظيم ؛ للإيذان بأنه المستحق للعظمة وحده، فمَن نَسَبَها لنفسه استحقّ أعظم العقوبات، ﴿ولا يَحُضُّ على طعام المسكين﴾ أي : لا يحث على بذل طعام غيره، فضلاً عن أن يبذل ماله، وقيل : ذكر الحض للتنبيه على أنَّ تارك الحضّ إذا كان بهذه المنزلة، فما ظنك بتاركه ؟ وفيه دلالة على أنَّ الكفار مخاطبون بالفروع، وأنَّ أقبح العقائد الكفر، وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب، وفيه أيضاً إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث، لأنَّ إطعام المساكين إنما يرجى جزاؤه يوم القيامة، فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم، وفيه دليل على عِظم جُرم حرمان المساكين ؛ لأنّه عطفه على الكفر، وجعله دليلاً عليه وقرينَه.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يحضّ امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، ويقول : خلَعْنا نصفَ السلسلة بالإيمان، فلنخلع نصفها بهذا، أي : الصدقة.
قال النسفي : وهذه الآية ناطقة بأنَّ المؤمنين يُرحمون جميعاً، والكافرون لا يُرحمون ؛ لأنه تعالى قسّم الخلق صنفين، فجعل صنفاً منهم أهل اليمين، ووصفهم بالإيمان بقوله :﴿إني ظننتُ إني ملاقٍ حسابيه﴾، وصنفاً منهم أهل الشمال، ووصفهم
١٢٨


الصفحة التالية
Icon