والذين يُصَدِّقُونَ بيوم الدين} أي : يوم الجزاء والحساب، فيتعبون أنفسَهم في الطاعات البدنية والمالية ؛ طمعاً في المثوبة الأخروية، فيستدل بذلك على تصديقهم بيوم الجزاء. ﴿والذين هم من عذاب ربهم مشفقون﴾ ؛ خائفون على أنفسهم مع ما لهم من الأعمال الفاضلة، استقصاراً لها، واستعظاماً لجانبه عزّ وجل، كقوله :﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ...﴾ [المؤمنون : ٦٠]، الخ ﴿إِنَّ عذابَ ربهم غيرُ مأمونٍ﴾، هو اعتراض مؤذن بأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يأمنَ مِن عذابه تعالى، ولو بلغ في الطاعة ما بلغ، بل ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء كجناحي الطائر.
﴿والذين هم لفروجهم حافظون إِلاَّ على أزواجهم﴾ ؛ نسائهم، ﴿أو ما ملكتْ أيمانُهم﴾ أي : إيمائهم ﴿فإِنهم غيرُ ملومين﴾ على ترك الحفظ، ﴿فمَن ابتغَى﴾ أي : طلب منكحاً ﴿وراءَ ذلك﴾ غير الزوجات والممولكات ﴿فأولئك هم العادُون﴾ ؛ المتعدُّون لحدود الله، المتجاوزون عن الحلال إلى الحرام. وهذه الآية تدل على حرمة المتعة ووطء
١٣٨
الذكران والبهائم، والاستمناء بالكف، لكنه أخف من الزنا واللواط.
﴿والذين هم لأماناتهِم﴾ وهي تتناول أمانات الشرع، وهي التكاليف الشرعية، وأمانات العباد، ﴿وعهدِهم﴾ أي : عهودهم، ويدخل فيه عهود الخلق، والنذور والأيمان، ﴿راعون﴾ ؛ حافظون، غير خائنين، ولا ناقضين، وقيل : الأمانات : ما تدل عليه العقول، والعهد : ما أتى به الرسولُ. ﴿والذين هم بشهادتهم قائمون﴾ يقيمونها عند الحُكّام بالعدل، بلا ميل إلى قريب وشريف، ولا ترجيح للقوي على الضعيف، وإظهار للصلابة في الدين، وإحياء لحقوق المسلمين، وتخصيصها بالذكر مع اندراجها في الأمانات ؛ لإبانة فضلها.