﴿واللهُ جعل لكم الأرضَ بِساطاً﴾ تتقلبون عليها تقلُّبكم على بُسُطكم في بيوتكم. قال ابن عطية : وظاهر الآية أنَّ الأرض بسيطة غير كُروية، واعتقاد أحد الأمرين غير قادح في الشرع، إلاّ أن يترتب على القول بالكوريّة قول فاسدٌ، وأما اعتقاد كونها بسيطة فهو ظاهر في كتاب الله، وهو الذي لا يلحق عنه فساد البتةَ، واستدل ابن مجاهد على ذلك بماء البحر المحيط بالمعمور، قال : لو كانت الأرض كروية لما استقر الماء عليها. هـ. المحشيّ الفاسي : وهو بعيد ؛ لأنَّ أهل الهيئة يرون أنها مستقرة فيه ـ اي : في البحر ـ لا العكس، ولذلك أُرسيت بالجبال لتستقر، كما عُلم من الشرع. هـ. قلت : وإنما حَكَمَ الحقُّ تعالى ببساطتها باعتبار ما يظهر للعين في ظاهر الأمر. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٦
وتوسيط (لكم) بين الجعل ومفعوليه، مع أنَّ حقه التأخير، للاهتمام بشأن كون المجعول من منافعهم، وللتشويق إلى المؤخّر، فإنَّ النفس عند تأخُّر ما حقه التقديم تبقى متشوقة مترقبة، فيتمكن عند ورودها له فضل تمكُّن، أي : بسطها لكم في مرأى العين ﴿لتسلكوا منها سُبلاً فِجاجاً﴾ أي : طُرقاً واسعة، جمع فج، وهو الطريق الواسع، وقيل : هو المسلك بين الجبلين، و " منها " متعلق بـ " تسلُكوا " لِما فيه من معنى الاتخاذ، أو :
١٤٧
بمضمر هو حال من " سُبلاً " أي : كائنة منها، ولو تأخر لكان صفة لهما. الإشارة : تقدّم تفسير سبع سموات الأرواح، والقمر قمر التوحيد البرهاني، والشمس : شمس المعرفة، والله أنبت بشريتكم من الأرض نباتاً، ثم يُعيدكم فيها بالبقاء بعد الفناء ؛ لتقوموا برسم العبودية، ثم يُخرجكم منها إلى صعود عرش الحضرة، والله جعل لكم أرض العبودية بِساطاً ؛ لتسلكوا منها إلى الله في طرق واسعة، قررها أئمة الطريق من الكتاب والسنّة وإلهام العارفين ومواجيد العاشقين. وبالله التوفيق.