الإشارة : إذا كان اللهُ تعالى قد حفظ السماء من استراق السمع، فقلوب أوليائه أولى بأن يحفظها من خواطر السوء، فإذا تَوَلَّى عبداً حَفِظ قلبه من طوارق الشك، وخواطر التدبير، وسوء الأدب مع الربوبية، فيملؤه باليقين والطمأنينة، ويهبُّ عليه برد الرضا ونسيم التسليم، فيخرج عن مراد نفسه إلى مراد مولاه، في كل وجهة وعلى كل حال. جعلنا الله مِن أهل هذا القبيل، بمنِّه وكرمه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٥
يقول الحق جلّ جلاله، في مقالة الجن :﴿وأنَّا منا الصالحون﴾ أي : الموصوفون بصلاح الحال، في شأن أنفسهم مع ربهم، وفي معاملتهم مع غيرهم، ﴿ومنا دونَ ذلك﴾
١٥٦
أي : ومنا قوم دون ذلك، وهم المقتصدون في الصلاح، غير الكاملين فيه على الوجه المذكور، لا في الإيمان والتقوى، كما يتوهم، فإن هذا بيان لحالهم قبل استماع القرآن، كما يُعرب عنه قوله تعالى :﴿كنا طرائِقَ قِدداً﴾ أي : مذاهب متفرقة، وأدياناً مختلفة، وأما حالهم بعد استماعهم، فسيحكي بقوله تعالى :﴿وأنا لَمَّا سمعنا الهدى...﴾ الخ، أي : كنا قبل هذا ذوي طرائق، أي : مذاهب ﴿قِدَداً﴾ أي : متفرقة مختلفة، جمع قِدّة، من : قَدَّ إذا شقّ، كقِطعة من قطع. قاله أبو السعود.


الصفحة التالية
Icon