﴿ربُّ المشرقِ والمعربِ﴾ أي : هو رب، أو : مبتدأ خبره :﴿لا إِله إلاّ هو﴾، ومَن قرأه بالجر فبدل من " ربك "، وقيل : على إضمار القسم، وجوابه : لا إله إلاّ هو، أي : وربِّ المشرق لا إله إلا هو، كقولك : والله لا أحد في الدار. ﴿فاتَّخِذْه وَكِيلا﴾ أي : وليًّا وكفيلاً بما وعدك من النصر والعز. والفاء لترتيب ما قبله، أي : إذا علمت أنه ملك المشرق والمغرب، وأن لا إله إلا هو، فاتخذه كفيلاً لأمورك. ﴿واصبرْ على ما يقولون﴾ في جانبي من الصاحِبة والولد، وفيك مِن الساحر والشاعر، ﴿واهجرهم هَجْراً جميلاً﴾ بأن تُجانبهم وتداريَهم ولا تجافهم، بل كِلْ أمرهم إلى ربهم، كما يُعرب عنه ما بعده، أون : جانبهم بقلبك، وخالطِهم بجسمك مع حسن المخالطة وترك المكافأة، وقيل : هو منسوخ بآية القتال.
الإشارة : يا أيها المتزمّل بالعلوم والمعارف والأسرار، قُم الليل شكراً لِما أُسدي إليك من النعم الغزار، ولذلك لمّا امتثل هذا الأمر بغاية جهده حتى تفطّرت قدماه، قال :" أفلا أكون عبداً شكوراً "، وقيام الليل لا يخص بالصلاة، بل لكل مقام مقال، فقيام العُبَّاد والزُهَّاد للتهجد والتلاوة والأذكار والاستغفار بالأسحار، وقيام العارفين لفكرة الشهود والاستبصار، وهي صلاة القلوب الدائمة.
وقوله تعالى :﴿ورتِّل القرآنَ ترتيلا﴾ خطاب لأهل التهجُّد، وهم ألوان مختلفة، فمنهم مَن يقطع الليل في سورة أو آية يُرددها، وهم أهل الخوف المزعِج، أو الشوق المقلِق، ومنهم مَن يختم القرآن في مدة قليلة، فمنهم مَن كان يختمه في كل ليلة في ركعة، ومنهم مَن كان يختمه في ليلة مرتين، ومنهم مَن كان يختمه بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء. وكان أبو حنيفة والشافعي يختمانه في رمضان ستين مرة، وابن القاسم صاحب مالك تسعين مرة، وابن عباس مائة مرة، وكان سليمان بن عمير يختمه
١٦٥


الصفحة التالية
Icon