﴿لوَّحاةٌ للبَشرِ﴾ أي : مغيّرة للجلود حتى تُسوّدها، تقول العرب : لاحته الشمس ولوَّحته، أي : غيَّرته، قيل : تلفح الجلد لفحة، فتدعه أشد سواداً من الليل، وقال الحسن : تلوح لهم جهنم حتى يرونها عياناً، نظيره :﴿وَبُرِزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ﴾ [الشعراء : ٩١] والبشر : اسم، جمع بشرة، وهي ظاهر جلد الإنسان، ويجمع أيضاً على أبشار، ﴿عليها تسعةَ عشرَ﴾ أي : على أمرها تسعة عشر ملكاً، خزنتُها، وقيل : تسعة عشر صِنفاً من الملائكة، وقيل : صفًّا، وقيل : نقيباً. قيل : الحكمة في تخصيص هذا العدد لخزنة جهنم ؛ أن ذكرهم الذي يتقوَّون به البسلمة، وذلك عدد حروفها. هـ. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٧٥
الإشارة : هذه الآية تَجُر ذيلها على كل مَن آتاه الله المالَ والجاه البنين، ثم جعل ينتقد على أولياء الله، ويحتقر أهل النسبة، بل على كل مَن يُطلق لسانه في أهل النسبة يناله ما نال الوليد ؛ لأنه كان لآيات الله ـ وهم خاصة أوليائه ـ عنيداً جاحد القلب، وحاسداً، سأُرهقه صَعُوداً، أي : عذاباً متعباً له، في الدنيا بالحرص والطمع، وفقر القلب، وكذا العيش في الآخرة بسدل الحجاب، والطرد عن ساحة المقربين، إنه فَكَّر فيما يكيد به أولياءه، وقَدّر ذلك، فلُعن كيف قَدّر، ثم نظر إليهم فعبس وبسر. قلت : وقد رأيتُ بعض المتفقهة المتجمدين، إذا رأوا أحداً من أهل التجريد، عبسوا وقطَّبوا وجوههم، ولووا رؤوسهم، لشدة حَنقهم على هذه الطائفة، نعوذ بالله من الحرمان. وكل ما رُمي به ﷺ من السحر وغيره قد رُمي به خلفاؤه، فيُقال لمَن رماهم وعابهم : سأُصليه سقر، نار القطيعة والبُعد، لا تٌبقي له رتبة، ولا تذر له مقاماً ولا جاهاً عند الله، تُزيل عنه سيما العارفين
١٧٧


الصفحة التالية
Icon