﴿بل يُريد كل امرىءٍ منهم أن يُؤتَى صُحفاً مُنَشَّرةً﴾ : عطف على مُقدّر يقتضيه الكلام، كأنه قيل : لم يكتفوا بتلك التذكرة، ولم يَرضوا بها، بل يُريد كل امرىء منهم أن يُؤتى ﴿صُحفاً مُنشَّرة﴾ ؛ قراطيس تُنشر وتٌقرأ، وذلك أنهم قالوا للرسول ﷺ : لن نتبعك حتى تأتي كلَّ واحدٍ منا بكتاب من السماء، عنوانها : من رب العالمين إلى فلان بن فلان، يؤمر فيها باتباعك، وهذا كقوله :﴿وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتَّى تُنَزِلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ﴾ [الإسراء : ٩٣]. وقيل : قالوا : إن كان محمد صادقاً فليصبح عند رأس كل واحد منا صحيفة، فيها براءته وأمنه من النار.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨١
كَلاَّ﴾
، ردع لهم عن تلك الجرأة، وزجر عن اقتراح الآيات، ﴿بل لا يخافون الآخرة﴾ فلذلك يُعرضون عن التذكرة، لاَ لامتناع إيتاء الصُحف. ﴿كَلاَّ إِنه تذكرةٌ﴾ زجَرهم عن إعراضهم عن التذكرة، وقال : إن القرآن تذكرة بليغة كافية، ﴿فمَن شاءَ ذكرَه﴾ أي : فمَن شاء أن يذكره ذكره، وحاز سعادة الدارين، ﴿وما يَذْكُرُون﴾ بمنجرد مشيئتهم ﴿إِلاّ أن يشاء اللهُ﴾ هدايتهم فيذكرون، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي : وما يذكرون لِعلةٍ من العلل، وفي حال من الأحوال، إلاَّ أن يشاء الله ذلك، وهو تصريح بأنَّ أفعال العباد كلها بمشيئة الله تعالى، وقرأ نافع ويعقوب بتاء الخطاب للكفرة. ﴿هو أهلُ التقوى﴾ أي : حقيق با، يُتقى عقابه، ويؤمن به ويُطاع، ﴿وأهلُ المغفرةِ﴾ ؛ حقيق بأن يَغفر لمَن آمن به وأطاعه، وعنه عليه السلام في تفسيرها :" هو أهل أن يُتّقى، وأهل أن يغفر لمن اتقاه ". وفي رواية ابن ماجه والترمذي :" قال الله تعالى : أنا أهل أن أُتَّقَى، فلا يُجعل معي إله آخر، فمَن اتقى ذلك فأنا أهل أن أغْفر له " قال ذلك عليه السلام لَمّا قرأ الآية. هـ.


الصفحة التالية
Icon