جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٥
قلت : اختلف المفسرون في وجه المناسبة في هذه الآية، فقال بعضهم : ما تضمنه من الاقتدار على حفظه وإبقائه في قلبه، بإخراجه عن كسبه وإمساكه وحفظه، فالقادر على
١٨٨
ذلك قادر على إحياء الموتى وجمع عظامها، وتسوية بنانها. ونَقَل الطيبي عن الإمام الفخر : أنه تعالى لمّا أخبر عن الكفار أنهم يُحبون العاجلة، وذلك قوله :﴿بل يُريد الإنسان لِيفجُر أَمامه﴾ بيَّن أنَّ العَجَلة مذمومة، ولو فيما هو أهم الأمور وأصل الدين، بقوله :﴿لا تُحرِّكْ به لسانَك﴾ فاعترض به، ليؤكد التوبيخ على حب العاجلة بالطريق الأولى. هـ. وقيل : اعترض نزولُها في وسطِ السورة قبل أن تكمل، فوُضعت في ذلك المحل، كمَن كان يسرد كتاباً ثم جاء سائل يسأل عن نازلةٍ، فيطوي الكتابَ حتى يُجيبه، ثم يرجع إلى تمام سرده. انظر الإتقان.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿لا تُحرِّكْ به﴾ ؛ بالقرآن ﴿لسانَكَ لِتعجَلَ به﴾، وقد كان عليه الصلاة والسلام يأخذ في القراءة قبل فراغ جبريل، كراهة أن يتفلّت منه، فقيل له : لا تُحرك لسانك بقراءة الوحي، ما دام جبريل يقرأ، ﴿لِتعجَلَ به﴾ ؛ لتأخذه على عجلة، لئلا يتفلّت منك، ثم ضَمِنَه له بقوله :﴿إِنَّ علينا جَمْعَه﴾ في صدرك، ﴿وقرآنه﴾ ؛ وإثبات قراءته في لسانك، فالمراد بالقرآن هنا : القراءة، وهذا كقوله :﴿وَلآ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه : ١١٤]، ﴿فإِذا قرأناه﴾ على لسان جبريل ﴿فاتَّبعْ قرآنه﴾ أي : قراءته، ﴿ثم إِنَّ علينا بيانَهُ﴾ إذا أشكل عليك شيء مِن معانيه وأحكامه.


الصفحة التالية
Icon