قال القشيري : قوله تعالى :﴿وجوه يومئذٍ ناضرةٌ...﴾ الخ، يُقال : هذه الآية دليل على أنهم بصفة الصحو، ولا يداخلهم حيرة ولا دهش، لأنَّ النضرة من أمارات البسط، والبقاء في حال اللقاء أتم من اللقاء، والرؤية عند أهل التحقيق تقتضي بقاء الرائي.. الخ كلامه. ﴿ووجوه يومئذ باسِرة﴾ وهي وجوه أهل الغفلة، المحجوبين في الدنيا عن شهود الحق، تظن أن يُفعل بها داهية فاقرة، لِما فرّطت في جنبه ـ تعالى ـ من عدم التوجه إليه، كلاَّ، فلترتدع اليوم، ولتنهض قبل فوات الإبان، وهو إذا بلغت الروحُ التراقي، وقيل : مَن راقٍ ؟ والتفت الساق بالساق، إلى ربك يومئذ المساق، فيحصل الندم، وقد زلّت القدم، فلا صدّق بوجود الخصوصية عند أربابها، فيصحبهم ليزول عنه الغين والمرض، أي : غين الحجاب ومرض الخواطر والشكوك، ولا صلَّى صلاةَ القلوب، ولكن كذَّب بوجود الطبيب، وتولِّى عنه مع ظهوره، ثم ذهب إلى هواه ودنياه يتمطى، أَوْلَى لك فأَوْلى، أي : أبعدك الله وطردك، ثم أَوْلَى لك فأوْلى، أيحسب الإنسانُ أن يتركه الحقُ سدىً، من غير أن يُرسل له داعياً يدعوه إلى الحق ؟ ألم يك نطفة مهينة، ثم صوَّره ونفخ فيه من روحه، أليس ذلك بقادرٍ على أن يُحيي الموتى ؟ أي : القلوب والأرواح الميتة، بالعلم والمعرفة، بلى وعزة ربنا إنه لَقادر، " مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً " وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد، وآله.
١٩٢
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٨٩


الصفحة التالية
Icon