﴿ألم نَخْلُقْكُمْ من ماءٍ مهينٍ﴾ ؛ حقير، وهو النطفة، ﴿فجعلناه في قرارٍ مكينٍ﴾ أي : مقرّ يتمكّن فيه، وهو الرحم، ﴿إِلى قَدَرٍ معلوم﴾ ؛ إلى مقدار معلوم من الوقت، قدّره اللهُ تعالى في أزله، لا يتقدّم عليه ولا يتأخر عنه، وهو تسعة أشهر في الغالب، أو أكثر أو أقل على حسب المشيئة، ﴿فقدّرنا﴾ ذلك تقديراً لا يتبدل، أو : فَقَدرْنا على ذلك ﴿فَنِعْمَ القادرون﴾ أي : المقدِّرون له نحن، أو : فنعم القادرون على أمثال ذلك، ﴿ويل يومئذ للمُكذِّبين﴾ لقدرتنا على ذلك، أو : على الإعادة، أو : بنعمة الفطرة من النشأة الدالة على صدق الوعيد بالبعث.
﴿ألم نجعل الأرضَ كِفَاتاً﴾ ؛... وجامعة، والكِفَات : اسم ما يَجمع ويضم، من : كَفَتَ شعره : إذا ضمه بخرقة، كالضمام والجماع لما يَضُمّ ويجمع، أي : ألم نجعلها كفاتاً تكفت ﴿أحياءً﴾ كثيرة في ظهرها ﴿وأمواتاً﴾ غير محصورة في بطنها. ونظر الشعبي إلى الجبانة فقال : هذه كِفَاتُ الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كِفَات الأحياء. هـ. ولمّا كان القبر كفاتاً كالبيت قُطع مَن سَرق منه. و " أحياء وأمواتاً " منصوبان بـ " كِفاتاً " لأنه في معنى اسم الفاعل، أي : كافتة أحياء وأمواتاً، أو : بفعل محذوف، أي : تكفت على الحال، أي : تكفتهم في حال حياتهم ومماتهم.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٨
وجعلنا فيها رواسيَ﴾، أي : جبالاً ثوابت ﴿شامخاتٍ﴾ ؛ طوالاً شواهق، ووصْفُ جمع المذكر بجمع المؤنث في غير العقلاء مطرد، وتنكيرها للتفخيم، وللإشعار بأنَّ فيها ما لم يُعرف، ﴿وأسقيانكم ماءً﴾ بأن خلقنا فيها أنهاراً ومنابع ﴿فُراتاً﴾ ؛ عذباً صافياً ﴿ويل يومئذ للمُكذِّبين﴾ بأمثال هذه النِعم العظيمة.