جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢١٠
يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ المتقين﴾ الكفرَ والتكذيب ﴿في ظلالٍ﴾ ممدودة ﴿وعيون﴾ جارية ﴿وفواكهَ مما يشتهون﴾ ؛ مما يستلذون من فنون الترفُّه وأنواع التنعُّم. يقال لهم :﴿كُلوا واشربوا﴾، فالجملة : حال من الضمير المستقر في الظرف، أي : هم يستقرُّون في ظلالٍ مقولاً لهم :﴿كلوا واشربوا هنيئاً﴾ لا تباعة عليه ولا عتاب، ﴿بما كنتم تعملون﴾ في الدنيا من الأعمال الصالحة، ﴿إنَّا كذلك﴾ أي : مثل هذا الجزاء العظيم ﴿نجزي المحسنينَ﴾ في عقائدهم وأعمالهم، فأحسِنوا تنالوا مثل هذا أو أعظم. ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ بهذا، حيث نال المؤمنون هذا الجزاء الجزيل، وبقوا هم في العذاب المخلَّد الوبيل.
ويُقال لهم في الدنيا على وجه التحذير :﴿كُلوا وتمتعوا﴾ كقوله :﴿اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت : ٤٠] أو : في الآخرة، أي : الويل ثابت لهم، مقولاً لهم ذلك، تذكيراً لهم بحالهم في الدنيا، بما جَنوا على أنفسهم من إيثارهم المتاع الفاني عن قريب على التمتُّع الخالد، أي : تمتّعوا زمناً ﴿قليلاً﴾ أو متاعاً قليلاً، لأنَّ متاع الدنيا كله قليل، ﴿إِنكم مجرمون﴾ أي : كافرون، أي : إنَّ كلّ مجرم يأكل ويتمتّع أياماً قلائل، ثم يبقى في الهلاك الدائم. ﴿ويل يومئذ للمكذِّبين﴾، زيادة توبيخ وتقريع، أو : ويل يومئذ للمكذِّبين الذين كذَّبوا.
﴿وإِذا قيل لهم اركعوا﴾ أي : أطيعوا الله واخشعوا وتواضعوا للّه، بقبول وحيه واتباع رسوله، وارفضوا هذا الاستكبار والنخوة، ﴿لا يركعون﴾ ؛ لا يخشعون ولا يقبلون ذلك،
٢١٢


الصفحة التالية
Icon