الذين هم فيه مختلفون}، فمنهم مَن يقطع بإنكاره، ومنهم مَن يشك، فمنهم مَن يقول :﴿مَاهِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ [الجاثية : ٢٤] ومنهم مَن يقول :﴿مَّا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ﴾ [الجاثية : ٣٢] ومنهم مَن يُنكر المعادين معاً، كهؤلاء، ومنهم مَن يُنكر المعاد الجسماني، كبعض أهل الكتاب. أو : في القرآن، فمنهم مَن يقول : سحر، ومنهم مَن يقول : كهانة، ومنهم مَن يقر بحقيّته، ويُنكره حسداً وتكبُّراً. والضمير في " هم فيه " للتأكيد، وفيه معنى الاختصاص، ولم يكن لقريش اختصاص بالاختلاف، لكن لمّا كان خوضهم فيه أكثر، وتعقبهم له أظهر، جعلوا كأنهم مخصوصون به. هـ. قاله الطيبي. فـ " فيه " متعلق بـ " مختلفون "، قُدِّم اهتماماً به ورعاية للفواصل، وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات، أي : هم راسخون في الاختلاف، وقيل : المراد بالاختلاف : مخالفتهم للنبي ﷺ في إثباته، حيث أنكروه، فيحمل الاختلاف على صدور الفعل من متعدد، لا علَى مخالفة بعضهم لبعض من الجانبين، لأنَّ الكل وإن استحق الردع والوعيد، لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر، إذ لا حقيّة في شيء منهما حتى يستحق مَن يخالفه المؤاخذة، بل لمخالفته له ﷺ في إثباته. هـ. انظر أبا السعود.
﴿كلاَّ﴾، ردع عن الاختلاف والتساؤل بالمعنى المتقدم، ﴿سيعلمون﴾ عن قريبٍ حقيقة الحال إذا حلّ بهم العذاب والنكال، ﴿ثمَّ كلاَّ سيعلمون﴾، تكرير للردع والوعيد للمبالغة في التأكيد والتشديد. والسين للتقريب والتأكيد. و " ثم " للدلالة على أنَّ الوعيد
٢١٥
الثاني أبلغ وأشد، وقيل : الأول عند النزع، والثاني عند القيامة، وقيل : الأول للبعث، والثاني للجزاء. وقُرىء " ستعلمون " بالخطاب على نهج الالتفات، تشديداً للردع والوعيد، لا على تقدير : قل لهم ؛ للإخلال بجزالة النظم الكريم.