يقول الحق جلّ جلاله :﴿قد كانت لكم أُسوةٌ﴾ أي : قدوة ﴿حسنةٌ﴾ أو : خصلة حميدة، حقيقة بأن يُرتقى بها ويُقتدى، كائنة ﴿في إِبراهيمَ والذين معه﴾ من أصحابه المؤمنين، أو : الأنبياء المعاصرين له، وقريبًا من عصره، ورجّحه الطبري وغيره ؛ لأنه لم يروا لإبراهيم أتباع مؤمنون وقت مكافحته نمرودًا. وقد قال لسارة، حين رحل بها إلى الشام :" ليس على وجه الأرض مَن يعبد الله غيري وغيرك ". ﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾، جمْع بريء، كظريف وظرفاء، أي : نتبرأ منكم ﴿ومما تعبدون من دون الله﴾ من الأصنام، ﴿كَفَرنا بكم﴾ أي : بدينكم، أو : معبودكم، أو : بكم وبأصنامكم، فلا نعتد
٢٢
بشأنكم وبآلهتكم، ﴿وبدا بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاءُ أبداً﴾ أي : هذا دأبنا أبداً ﴿حتى تُؤمنوا بالله وَحْدَه﴾ وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك، فتنقلب العداوة حينئذ ولاية، والبغضاء محبة.
وحاصل الآية : أنّ الحق تعالى يقول : إن كانت عداوة الكفار لكم إنما هي لأجل إيمانكم بالحق، فعادوهم أنتم، وكافحوهم بالعداوة، وأَظْهِروا البغضاء لهم والمقت، وصَرِّحوا أنّ سبب العداوة ليس إلاّ كفركم بالله، وما دام هذا السبب قائمًا كانت العداوة، حتى إن أزلتموه انقلبت العداوةُ مولاةً، وأنتم مقتدون في ذلك بالخليل عليه السلام وسائر الأنبياء، حيث كافحوا الكفارَ بالعداوة، وتوكّلوا على الله. قال ابن عطية : هذه الأسوة مقيّدة بالتبرِّي من المشركين وإشراكهم، وهو مطرد في كل ملة، وفي نبينا ﷺ أسوة حسنة على الإطلاق، في العقائد وفي أحكام الشرع. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢