يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ للمتقين مفازاً﴾ أي : فوزاً ونجاة من كل مكروه، وظفراً بكل محبوب، وهو مَفْعَلٌ من الفوز، يصلح أن يكون مصدراً ومكاناً، وهو الجنة، ثم أبدل البعض من الكل، فقال :﴿حدائقَ﴾ ؛ بساتين فيها أنواع الشجر المثمر، جمع حديقة، وأبدل من المفرد، لأنَّ المصدر لا يجمع، بل يصلح للقليل والكثير، ﴿وأعناباً﴾، كرر لشرفه، لأنه يخرج منه أصناف مِن النِعم، ﴿وكواعبَ﴾ ؛ نساء نواهِد، وهي مَن لم تسقط ثديها لصغرٍ، ﴿أتراباً﴾ أي : لَدَاتٍ مستوياتٍ في السنّ، ﴿وكأساً دِهاقاً﴾ ؛ مملوءة.
٢٢١
﴿لا يسمعون فيها﴾ ؛ في الجنة، حال من ضمير خبر " إن "، ﴿لَغْواً﴾ ؛ باطلاً، ﴿ولا كِذَّاباً﴾ أي : لا يكذّب بعضهم بعضاً، وقرأ الكسائي بالتخفيف، من المكاذبة، أي : لا يُكاذبه أحد، ﴿جزاءً من ربك﴾ : مصدر مؤكد منصوب، بمعنى : إنَّ للمتقين مفازاً، فإنه في قوة أن يقال : جازى المتقين بمفاز جزاء كائناً من ربك. والتعرُّض لعنوان الربوبية، المنبئة عن التبليغ إلى الكمال شيئاً فشيئاً مع الإضافة إلى ضميره ﷺ مزيد تشريف له عليه الصلاة والسلام، ﴿عَطاءً﴾ أي : تفضُّلاً منه تعالى وإحساناً، إذ لا يجب عليه شيء، وهو بدل مِن " جزاء "، ﴿حِساباً﴾ أي : مُحسِباً، أي : كافياً، على أنه مصدر أقيم مقام الوصف، أو بولغ فيه، من : أحسبه إذا كفاه حتى قال حسبي، أو : على حسب أعمالهم.


الصفحة التالية
Icon