﴿إِنَّا أنذرناكم﴾ بما ذكر في السورة من الآيات الناطقة بالبعث وما بعده من الدواعي، أو بسائر القوارع الواردة في القرآن، أي : خوفناكم ﴿عذاباً قريباً﴾ هو عذاب الآخرة، وقُربه لتحقُّق وقوعه، وكل آتٍ قريب، ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النازعات : ٤٦]، وعن قتادة هو قتل قريش يوم بدر ويأباه قوله تعالى :﴿يوم ينظر المرء ما قدمت يداه﴾ فإنه بدل من " عذاب " أو ظرف لمُضمر هو صفة له، أي : عذاباً كائناً يوم ينظر المرء، أي : يُشاهد ما قدَّمه من خير وشر. و " ما " موصولة، والعائد محذوف، أو استفهامية، أي : ينظر الذي قدمته يداه، أو : أي شيء قدمت يداه وقيل : المراد بالمرء : الكافر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢١
وقوله :﴿ويقول الكافرُ يا ليتني كنتُ تراباً﴾، وضع الظاهرَ موضع الضمير، لزيادة الذّم، أي : يا ليتني كنتُ تراباً لم أُخلق ولم أُكلّف، أو : ليتني كنت تراباً في هذا اليوم فلم أُبعث. وقيل : يحشر اللّهُ تعالى الحيوان حتى يقتص للجماء من القرناء، ثم يرده تراباً، فيود الكافرُ أن يكون تراباً مثله، وقيل : الكافر : إبليس يرى آدم وولده وثوابهم، فيتمنى أن يكون من الشيء الذي احتقره حين قال :﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الأعراف : ١٢ و صا : ٧٦]. قال الطيبي : والعموم في المرء هو الذي يساعده النظم. ثم قال عن الإمام : فإن قلتَ : لِمَ خصّ بعد العموم قول الكافر دون المؤمن ؟ قلت : دلّ قول الكافر على غاية التحسُّر، ودلّ حذف قول المؤمن على غاية التبجُّح ونهاية الفرح بما لا يَحصُره الوصف. هـ. قال المحشي : والظاهر أنه اقتصر على قول الكافر بعد العموم في المرء، لأنه المناسب للنذارة التي اقتضاها المقام. هـ. قلتُ : ولو ذكر قول المؤمن لقال : ويقول المؤمن هاؤم اقرؤوا كتابيه، تبجُّحاً وفرحاً. والله تعالى أعلم.