قال تعالى في إبطال ما أنكروه :﴿فإِنما هي زجرةٌ واحدة﴾ أي : لا تحسبوا تلك الكرّة صعبة على الله، بل هي أسهل شيء، فما هي إلاّ صيحة واحدة، يُريد النفخة الثانية، من قولهم : زَجَر البعير : إذا صاح عليه. ﴿فإِذا هم بالسَّاهرةِ﴾ أي : فإذا هم أحياء على وجه الأرض، بعدما كانوا أمواتاً في جوفها. والساهرة : الأرض البيضاء المستوية، سُميت بذلك، لأنَّ السراب يجري فيها، من قولهم : عين ساهرة جارية، وفي ضدها : عين نائمة، وقيل : إنَّ سالكها لا ينام خوف الهلكة، وقيل : أرض بعينها بالشام إلى جنب بيت المقدس، وقيل : أرض مكة. وقيل : اسم لجهنّم. وعن ابن عباس : أنَّ الساهرة : أرض مِن فضة، لم يُعص اللهَ تعالى عليها قط، خلقها حينئذ. وقيل : أرض يُجددها الله تعالى يوم القيامة. وقيل : الأرض السابعة، يأتي الله بها يوم القيامة فيُحاسب عليها الخلائق، وذلك حين تُبدل الأرض غير الأرض، وقيل : الساهرة : أرض صحراء على شفير جهنم. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
الإشارة : والأرواح النازعات عن ملاحظة السِّوى غرقاً في بحار الأحدية. والناشطات من علائق الدنيا ومتابعة الهوى نشطاً، والسابحات بأفكارها في بحر أنوار الملكوت، وأسرار الجبروت، سبحاً، فالسابقات إلى حضرة القدس سبقاً، فالمدبرات أمر الكون، بالتصرُّف فيه بالنيابة عن الحق، وهو مقام القطبانية، أو النازعات عن الحظوظ والشهوات غرقاً في التجرُّد إلى العبادات بأنواع الطاعات. وهذه أنفس العُبّاد، والناشطات عن الدنيا، وأهلها فراراً إلى الله نشطاً، وهي أنفس الزُهّاد، والسابحات بعقولها في أسرار العلوم، فتستخرج من الكتاب والسنة درراً ويواقيت، يقع النفع بها إلى يوم الدين، وهي
٢٢٧


الصفحة التالية
Icon