﴿فإذا جاءت الطامةُ الكبرى﴾ أي : الداهية العُظمى التي تطمّ على سائر الدواهي، أي : تعلوها وتغلبها، من قولك : طمّ الأمر : إذا علا وغلب، وهي القيامة، أو النفخة الثانية، أو : الساعة التي يُساق فيها الخلائق إلى محشرهم، أو : التي يُساق فيها أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، ﴿يوم يتذكَّرُ الإِنسانُ ما سعَى﴾ أي : يتذكر فيه كل واحد ما عمله من خير وشر، بأن يُشاهده مدوناً في صحيفته، وقد كان نسيه مِن فرط الغفلة، وطول الأمل، كقوله تعالى :﴿أحْصَـاهُ اللهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة : ٦]. و " يوم " : بدل من " إذا "
٢٣٢
والأحسن : أنه مفعول بفعل محذوف، أي : أعني. ﴿وبُرّزَت الجحيمُ﴾ أي : أظهرت إظهاراً بيناً لا يخفى على أحد ﴿لمن يرى﴾ كائناً مَن كان، فلا تتوقف رؤيتها إلاّ على وجود حاسة البصر، ولا مانع من الرؤية ولا حاجب. يُروى أنه يُكشف عنها فتلتظي نيرانها كل ذي بصر.
﴿فأمَّا مَن طَغَى﴾ أي : جاوز الحدّ في العصيان ﴿وآثر الحياةَ الدنيا﴾ الفانية، فانهمك فيما متع به فيها، ولم يستعد للحياة الآخرة الأبدية بالإيمان والطاعة، ﴿فإِنَّ الجحيم﴾ التي ذكر شأنها ﴿هي المأوى﴾ أي : مأواه. فاللام سادّة مسد الإضافة للعلم بأنَّ صاحب المأوى هو الطاغي، وجملة " فأمّا " : جواب " إذا " على طريقة :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّى هُدىً فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ...﴾ [البقرة : ٣٨]، وقيل : جواب " إذا " محذوف، وهي تفصيل له، أي : إذا جاءت انقسم الناس على قسمين، فأمّا مَن طغى.. الخ، والذي يستدعيه فخامة التنزُّل، ويقتضيه مقام التهويل ؛ أنَّ الجواب المحذوف تقديره : يكون من عظائم الشؤون ما لم تُشاهده العيون، ثم فصَّل أحوال الناس بقوله : فأمّا.. الخ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣١