أضاء، قيل : ذلك مِن قيام الليل، وقيل : مِن إشراق أنوار الإيمان في قلوبهم، ﴿ضاحكةٌ مستبشرةٌ﴾ بما تُشاهد من النعيم المقيم والبهجة الدائمة. ﴿ووجوه يومئذٍ عليها غبرةٌ﴾ أي : غبار وكدور، ﴿تَرهقها﴾ أي : تعلوها وتغشاها ﴿قَتَرَةٌ﴾ أي : سواد وظُلمة ﴿أولئك هم الكفرةُ﴾، الإشارة إلى أصحاب تلك الوجوه. وما فيه من معنى البُعد للإيذان ببُعد درجتهم في السوء، أي : أولئك الموصوفون بسواد الوجوه وغبرتها هم الكفرة ﴿الفجرةُ﴾ أي : الجامعون بين الكفر والفجور، ولذلك جمع الله لهم بين السواد والغبرة. نسأل الله السلامة والعافية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٤٣
الإشارة : فإذا جاءت الصاخة، أي : النفحة الإلهية التي تجذب القلوب إلى الحضرة القدسية، فتأنّست القلوب بالله، وفرتْ مما سواه فترى الرجل حين تهب عليه هذه النفحة، بواسطة أو بغير واسطة، يفر من الخلق، الأقارب والأجانب، أُنساً بالله وشُغلاً بذكره، لا يزال هكذا حتى يصل إلى مولاه، ويتمكن من شهوده أيَّ تمكُّن، فحينئذ يخالط الناسَ بجسمه، ويفارقهم بقلبه، كما قالت رابعة العدوية رضي الله عنها :
إِنَّي جَعلتُكَ في الفُؤَادِ مُحَدّثي
وأَبَحْتُ جسمي مَنْ أراد جُلوسي
فَالْجِسْمُ مني لِلْجَلِيس مُؤَانِس
وحبيبُ قَلْبي في الفُؤادِ أنِيسي
قال القشيري : قالوا : الاستقامة أن تشهد الوقت قيامة، فَما مِن وَلِيًّ وعارفٍ إلاّ وهو اليومَ يَفرُّ بقلبه من الجميع ؛ لأنّ لكل شأناً يُغنيه، فالعارفُ مع الخَلْق لا بقلبه، ثم ذكر شعر رابعةُ. وقال الورتجبي : أكّد الله أمر نصيحته لعباده ألاّ يعتمدوا إلى مَن سواه في الدنيا والآخرة، وأنَّ ما سواه لا ينقذه مِن قبض الله حتى يفرّ مما دون الله إلى الله. هـ. وقال في قوله تعالى :﴿لكل امرىء منهم يومئذ شأن يُغنيه﴾ : لكل واحدٍ منهم شأن يشغله، وللعارف شأن مع الله في مشاهدته، يُغنيه عما سوى الله. هـ.


الصفحة التالية
Icon