الذي خَلَقك فَسَوَّاكَ} أي : جعلك مستوي الخلْقِ، سالم الأعضاء مُعَدّة لمنافعها، ﴿فعدلك﴾ ؛ فصيّرك معتدلاً متناسب الخَلق، غير متفاوت فيه، ولم يجعل إحدى اليدين أطول، ولا أحدى العينين أوسع، ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضه أسود، أو : جعلك معتدلاً تمشي قائماً، لا كالبهائم. وقراءة التخفيف كالتشديد، وقيل : معنى التخفيف : صَرَفك إلى ما شاء من الهيئات والأشكال، فيكون من العدول. ﴿في أيّ صورةٍ ما شاء رَكَّبَك﴾ أي : رَكَّبك في أيّ صورة شاءها من الصور المختلفة، و " ما " : مزيدة، و(شاء) : صفة لصورة، أي : ركَّبك في أيّ صورة شاءها واختارها من الصور العجيبة الحسنة، كقوله تعالى :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِيا أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين : ٤] وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها ؛ لأنها بيان لـ " عدلك ". ﴿كلاَّ﴾، ردع عن الاغترار بكرم الله تعالى، وجعله ذريعة إلى الكفر المعاصي، مع كونه موجباً للشكر والطاعة. والإضرابَ في قوله تعالى :﴿بل تُكذِّبون بالدين﴾ عن جملة مقدّرة ينساق إليها الكلام، كأنه قيل بعد الردع بطريق الاعتراض : وأنتم لا ترتدعون عن ذلك، بل تجترئون على أقبح من ذلك، وهو تكذيبكم بالجزاء والبعث، أو بدين الإسلام، الذي هو من جملة أحكامه، فلا تُصدقون به، ﴿وإِنَّ عليكم لَحافِظين﴾ : حال مفيدة لبطلان تكذيبهم، وتحقيق ما يُكذِّبون به، أي : تُكذِّبون بالجزاء، والحال أنَّ عليكم مِن قِبلنا لحافظين لأعمالكم، ﴿كِراماً﴾ عندنا ﴿كاتبين﴾ لها، ﴿يعلمون ما تفعلون﴾ من الخير والشر، قليلاً أو كثيراً، ويضبطونه نقيراً أو قطميراً. وفي تعظيم " الكاتبين "، بالثناء عليهم ؛ تفخيم لأمر الجزاء، وأنه عند الله من جلائل الأمور، حيث يستعمل فيها هؤلاء الكِرام.