وإِذا كالوهم أو وزنوهم} أي : كالوا لهم أو وزنوا لهم في البيع ونحوه، فحذف الجار وأوصل الفعل، ﴿يُخْسِرون﴾ ؛ ينقصون، يقال : خَسر الميزان وأخسره : إذا نقصه. وجعلُ البارز تأكيداً للمستكن مما لا يليق بجزالة التنزيل، ولعل ذكر الكيل والوزن في صور الإخسار، والاقتصار على الاكتيال في صورة الاستيفاء لِما أنهم لم يكونوا متمكنين من الاحتيال عند الاتزان تمكُّنهم منه عند الكيل ؛ لأنهم في الكيل يزعزعون ويحتالون في الملء بخلاف الوزن، ويحتمل أنّ المطففين كانوا لا يأخذون ما يُكال ويوزن إلاّ بالمكاييل لتمكّنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرف، كما تقدّم، وهذا بعيد، وإذا أعطوا كالُوا ووزنوا، لتمكّنهم من البخس في النوعين.
﴿ألاَ يظنُ أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم﴾ وهو يوم القيامة، وهو استئناف وارد لتهويل ما ارتكبوه من التطفيف والتعجُّب من اجترائهم عليه. وأدخل همزة الاستفهام على (ألاَ) توبيخاً، وليست " ألا " هذه للتنبيه، و " أولئك " إشارة إلى المطففين، ووضعه موضع ضميرهم ؛ للإشعار بمناط الحُكم الذي هو وصفهم، فإنَّ الإشارة إلى الشيء متعرضة له من حيث اتصافه بوصفه، وأمّا الضمير فلا يتعرّض لوصفه، وللإيذان بأنهم مُمازون بذلك الوصف القبيح أكمل امتياز، وما فيه من معنى البُعد للإشارة إلى بُعد درجتهم في الشرارة والفساد، أي : ألاَ يظنُّ أولئك الموصوفون بذلك الوصف الشنيع أنهم مبعوثون ليوم عظيم ولا يقادَر قدره، ويُحاسبون فيه على قدر الذرّة والخردلة، فإنَّ مَن يظن ذلك وإن كان ظنًّا ضعيفاً لا يكاد يتجاسر على تلك القبائح، فكيف بمَن يتيقنه ؟ وعن عبد الملك بن مروان : أن أعرابياً قال له : قد سمعتَ ما قال الله في المطفّفين ـ أراد بذلك أنَّ المُطَفف قد توجّه عليه الوعيد العظيم الذي سمعتَ به ـ فما ظنّك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن ؟ !. ﴿يومَ يقومُ الناسُ﴾، منصوب بـ " مبعوثون "، أي : يُبعثون يومَ يقوم الناس {لرب
٢٥٩


الصفحة التالية
Icon