فإن قلتَ : لِمَ أمر بالتنافس في الرحيق، ولم يأمر به في التسنيم، مع كونه أرفع ؟ قلتُ : قال بعضهم : إشارة إلى أن شربه لا يُنال بسبب، بل بالسابقة، وقيل : إنه مُقدّم من تأخير، وإن التنافس حاصل في الجميع، أو يؤخذ بالأحْرى ؛ لأنه إذا أمرَ بالتنافس في المفضول كان التنافس في الأفضل أحرى. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٦٢
الإشارة : قال الورتجبي : كتاب الأبرار كتابٌ مرقوم برقم الله، رقمه بسعادتهم الأزلية، وولايتهم الأبدية، وذلك الكتاب عنده لا يطلع عليه إلاَّ المقربون المخاطبون بحديثه وكلامه، المكاشفون بالحقائق الغيبية، قال أبو عثمان المغربي : الكتاب المرقوم : هو ما يُجري اللّهُ على جوارحك من الخير والشر، رقمها بذلك، وهو لا يخاف ما رقم به، وذلك الرقْم معلّق بالقضاء والقدر عن القدرة بمشيئته تعالى عليه، ولا نزوع عن ذلك ولا حيلة له فيه، فهو في ذلك معذور في الظاهر، غير معذور في الحقيقة، هذا لعوام الخلق، وأمّا للخواص والأولياء وأهل الحقائق فإنه رقْم الله على كل شيء أوجده، لم يُشْرف على ذلك الرقْم إلاَّ المقربون، فهم أهل الإشراف، فمَن شاهد ذلك الرقْم من المقربين عرف صاحبه بما رقم به من الولاية والعداوة، فيُخبر عنه، وهو الإشراف والفراسة، كما كان لعُمر حين أخبر عنه ﷺ بقوله :" كان في الأمم مُكلَّمون... " الحديث، أي : فعُمر ممن أشرف على حقائق الرقْم، وعلى معاني الكتاب المرقوم، فمَن كان بذلك الحال فهو المكلّم من جهة الحق بلا واسطة. قال الجريري : رقْمٌ رَقَم اللّهُ به قلوبَ عباده بما قضى عليهم في الأزل من السعادة والشقاوة، وبذلك الرقْم خَفي في أسرار العباد، وظهر على هياكلهم، كما قال ﷺ :" كُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له ".
٢٦٤