﴿فاليومَ الذين آمنوا من الكفارِ يضحكون﴾، حين يرونهم مغلولين أذلاء، قد غشيتهم فنون العذاب والصغَار بعد العزة والاستكبار، وهم ﴿على الأرائك﴾ آمنون، ووجه ذلك : أنهم لمَّا كانو أعداءهم في الدنيا جعل لهم سروراً في تعذيبهم، وقال كعب : بين الجنة والنار كُوَىً، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوه الذي كان له في الدنيا نظر إليه، دليله :﴿فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات : ٥٥] فضحكوا منهم في الآخرة كما كانوا يضحكون منهم في الدنيا جزاءً وفاقاً. ﴿على الأرائك ينظرون﴾ حال، أي : يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من سوء الحال، وقيل : يُفتح إلى الكفار باب إلى
٢٦٦
الجنة، فيُقال لهم : هَلمُّوا إليها، فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم، يفعل ذلك بهم مراراً، ويضحك المؤمنون، ويأباه قوله تعالى :﴿هل ثُوِّب الكفارُ ما كانوا يفعلون﴾ فإنه صريح في أنَّ ضحك المؤمنين منهم جبراً لضحكهم منهم في الدنيا، فلا بد من المجانسة والمشاكلة. والتثويب والإثابة : المجازاة، أي : ينظرون هل جُوزي الكفار بما كانوا يفعلون من السخرية بالمؤمنين أم لا ؟
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٦٦
ويحتمل أن يكون مفعول :" ينظرون " محذوفاً، أي : ينظرون إلى أعدائهم في النار، أو إلى ما هم فيه من نعيم الجنان، ثم استأنف بقوله :﴿هل ثُوِّب الكفارُ ما كانوا يفعلون﴾ أي : هل جُوزوا بذلك إذا فعل بهم هذا العذاب المهين، و " هل " على هذا للتقرير، قال الرضي : وتختص " هل " بحكمين دون الهمزة، وهما : كونها للتقرير في الإثبات، كقوله تعالى :﴿هل ثوب الكفار﴾ أي : ألم يَثوبوا، وإفادتها للنفي حتى جاز أن يجيء بعدها " إلاَّ " قصداً للإيجاب، كقوله تعالى :﴿هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾ [الرحمن : ٦٠] وقول الشاعر :
وهل أنا إلاّ مِن غُزَيّةَ إن غوت
غَويتُ، وإن تُرشَدْ غزية أرشد