وكقوله تعالى :﴿الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج : ٤٠] وعبّر بلفظ المضارع، ولم يقل : إلاَّ أن آمنوا، مع أنَّ القصة قد وقعت، لإفادة أنَّ التعذيب إنما كان دوامهم على الإيمان، ولو كفروا بالرجوع عن الإيمان في المستقبل لم يعذبوهم. وقوله تعالى :﴿العزيزِ الحميدِ﴾، ذكر الأوصاف الذي يستحقّ بها أن يؤمن به، وهو كونه عزيزاً غالباً قادراً، يُخشى عقابه، حميداً منعماً، يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه، ليقرر أنَّ وصف الإيمان الذي عابوا منهم وصف عظيمٌ، له جلالة، وأنَّ مَن رام صاحبه بالانتقام والعيب كان مبطلاً مبالغاً في الغي، يستحق أن ينتقم منه بعذاب لا يُقادر قدره.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧٦
الذي له ملك السمواتِ والأرض﴾ فكل مَن فيها يحق عليه عبادته والخضوع له، ﴿واللهُ على كل شيءٍ شهيدٌ﴾ وعيد لهم شديد، يعني : أنه تعالى عَلِمَ بما فعلوا وسيجازيهم عليه.
﴿إِنَّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات﴾ أي : محقوهم في دينهم ليرجعوا عنه، والمراد بهم : إمّا أصحاب الأخدود خاصة، وبالمفتونين : المطروحين في الأخدود، وإمّا الذين بَلوْهم في ذلك بالإذاية والتعذيب على الإطلاق، وهم داخلون في جملتهم دخولاً أولياً. قال ابن عطية : الأشبه أنَّ المراد بهؤلاء قريش، حيث طانوا يُعَذَّبون مَن أسلم، ويقويه بعض التقوية : قوله تعالى :﴿ثم لم يتوبوا﴾ لأنه رُوي : أنّ أصحاب الأخدود ماتوا على كفرهم، وأمّا قريش فكان منهم مَن تاب بعد نزول الآية. هـ. مختصراً. {فلهم عذابُ
٢٧٧