سورة الغاشية
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩١
يقول الحق جلّ جلاله :﴿هل أتاك حديثُ الغاشيةِ﴾ أي : قد أتاك، والأحسن : أنه استفهام أُريد به التعجُّب مما في حيّزه، والتشويق إلى استماعه، وأنه من الأحاديث البديعة التي من حقها أن تتناولها الرواية، ويتنافس في تلقيها الوعاة من كل حاضر وباد. والغاشية : الداهية الشديدة التي تغشى الناس بشدائدها وتكتنفهم بأهوالها، من قوله تعالى :﴿يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ﴾ [العنكبوت : ٥٥] الخ.
ثم فصّل أحوالَ الناس فيها، فقال :﴿وجوه يومئذٍ خاشعةٌ﴾، فهو استئناف بياني نشأ عن سؤال من جهته ﷺ، كأنه قيل : ما أتاني حديثها فما هو ؟ فقال :﴿وجوه يومئذ﴾ أي : يوم إذ غشيت ﴿خاشعة﴾ ؛ ذليلة، لما اعترى أصحابها من الخزي والهوان، و ﴿وجوه﴾ متبدأ، سوّغه التنويع، و(خاشعة) خبر، و ﴿عاملة ناصبة﴾ : خبران آخران، أي : تعمل أعمالاً شاقة في النار، تتعب فيها مِن جرّ السلاسل والأغلال، والخوض في النار خوض الإبل في الوحل، والصعود والهبوط من تلال النار ووهادها، وقيل : عملت في الدنيا أعمال السوء، والتذّت بها، فهي يومئذ ناصبة منها، ﴿تَصلى﴾ أي : تدخل ﴿ناراً حامية﴾ ؛ متناهية في الحر مُدداً طويلة، ﴿تُسْقَى من عينٍ آنيةٍ﴾ أي : من عين ماء متناهية في الحرّ، والتأنيث في هذه الصفات والأفعال راجع إلى الوجوه، والمراد أصحابها، بدليل قوله :﴿ليس لهم طعامٌ إِلاّ من ضريع﴾، وهو نبت يقال لِرَطْبِه : الشَّبرِق على وزن زِبْرج، تأكله الإبل رطباً فإذا يبس عافته، وهو الضريع، وهم سمٌّ قاتل، وفي الحديث :" الضريع شيء
٢٩٢


الصفحة التالية
Icon