يقول الحق جلّ جلاله في بيان حال أهل الجنة، بعد بيان حال أهل النار، ولم يعطفهم عليهم، بل أتى بالجملة استئنافية ؛ إيذاناً بكمال تباين مضمونيهما، فقال :﴿وجوه يومئذٍ ناعمةٌ﴾ أي : ذات بهجة وحُسن، كقوله تعالى :﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)﴾ [المطففين : ٢٤]، ﴿لسعيها راضية﴾ أي : لأجل سعيها في الدنيا هي راضية في الآخرة بما
٢٩٣
أعطاها عليه من الثواب الجسيم، أو : رضيت بعملها وطاعتها لما رأت ما أداهم إليه من الكرامة والثواب، ﴿في جنةٍ عالية﴾ علو المكان أو المقدار، ﴿لا تسمع فيها لاغية﴾ أي : لغو، أو كلمة ذات لغو، أو نفسٌ لاغية، فإنَّ كلام أهل الجنة كله أذكار وحِكم، أو : لا تسمع يا مخاطَب، فيمن بناه للفاعل.
﴿فيها عين جاريةٌ﴾ أي : عيون كثيرة تجري مياهها، كقوله :﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ [التكوير : ١٤] أي : كل نفس، ﴿فيها سُررٌ مرفوعة﴾ رفيعة السمْك أو المقدار، ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوّله رَبُّه من المُلك والنعيم، ﴿وأكواب موضوعة﴾ بين أيديهم ليتلذذوا بالرؤية إليها، أو موضوعة على حافات العيون مُعَدّة للشرب، ﴿ونمارقُ﴾ ؛ وسائد ومرافق ﴿مصفوفة﴾ بعضها إلى جنب بعض، بعضها مسندة، وبعضها مطروحة، أينما أراد أن يجلس جلس على وسادة، وأستند إلى أخرى، ﴿وزرابيّ﴾ أي : بُسُط فاخرة، جمع " زِرْبيَّة "، ﴿مبثوثةٌ﴾ ؛ مبسوطة، أو مُفرّقة في المجالس.