ثم يقول الله تعالى للمؤمن :﴿يا أيتها النفسُ﴾ يخاطبه تعالى إكراماً له بلا واسطة، أو على لسان ملك، ﴿المطمئنةِ﴾ بوجود الله، أو بذكره، أو بشهوده، الواصلة إلى بَلَج اليقين، بحيث لا يخالطها شك ولا وهم، وقيل : المطمئنة، أي : الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن، ويؤيده : قراءة مَن قرأ : يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة. ويقال لها هذا عند البعث، أو عند تمام الحساب، أو عند الموت :﴿ارجعي إِلى ربك﴾ إلى وعده، أو : إلى إكرامه، ﴿راضيةً﴾ بما أُوتيت من النعيم ﴿مرضيةً﴾ عند الله عزّ وجل، ﴿فادخلي في عبادي﴾ أي : في زمرة عبادي الصالحين المخلصين، وانتظمي في سلكهم، ﴿وادخلي جنتي﴾ معهم. وقال أبو عبيدة : أي : مع عبادي وبين عبادي. أي : خواصّي، كما قال :﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل : ١٩]. وقيل : المراد بالنفس : الروح، أي : وادخلي في أجساد عبادي، لقراءة ابن مسعود :" في جسد عبادي " ولمّا مات ابن عباس بالطائف جاء طائر لم يُرَ على خلقته، فدخل في نعشه، فلما دُفن تُليت هذه الآية على شفا قبره، ولم يُدْرَ مَن تلاها، وقيل : نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وقيل : في خُبيْب بن عدي، الذي صلبه أهلُ مكة، والمختار : أنها عامة في المؤمنين ؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. الإشارة : إذا دُكت أرض الحس، باستيلاء المعنى عليها، أو أرض البشرية، باستيلاء الروحانية عليها، دكاً بعد دكٍّ، بالتدريج والتدريب، حتى يحصل التمكين من أسرار المعاني، وجاء ربك، أي : ظهر وتجلّى للعيان، والملَك صفاً صفاً، أي : وجاءت الملائكة صفوفاً، وجيء يومئذٍ بجهنم، أي : بنار البُعد لأهل الفرق، يومئذ يتذكّر الإنسانُ ما فاته من المجاهدة وصُحبة أهل الجمع، وأنَّى له الذكرى مع إقامته في الفَرْق طول عمره، يقول : يا ليتني قدمتُ لحياتي ؛ رُوحي بالمشاهدة بعد المجاهدة، فيومئذٍ يتولى الحق تصرُّفه في عباده بقدرته، فيُعَذِّب أهل الحجاب بسلاسل العلائق


الصفحة التالية
Icon