أَيَحْسَبُ أن لَّن يَقْدِر عليه أَحدٌ} أي : أيظن الإنسان الكافر أن لن يقدر على بعثه أحد، أو : أيظن بعض الإنسان ألن يغلبه أحدٌ، فعلى هذا نزلت في مُعَيّن، قيل : هو أبو الأشدّين الجمحي، رجل من قريش كان شديد القوة، مغترًّا بقوته، كان يبسط له الأديم العكاظي فيقوم عليه، ويقول : مَن أزالني عنه فله كذا، فيجذبه عشرة فيتقطع قطعاً، ولا تزال قدماه، وقيل : عَمْرو بن عبد ود، وهو الذي اقتحم الخندق بالمدينة، وقتله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. ﴿يقولُ أهلكتُ مالاً لُّبَداً﴾ أي : كثيراً، جمع لُبْدَة وهو ما تلبّد بعضه على بعض، يريد كثرة ما أنفقه، مما كان أهل الجاهلية يسمونها مكارم ومعالي، رياءً وفخراً. ﴿أيَحْسَبُ أن لمْ يَرَه أحدٌ﴾ ؟ حين كان ينفق ما ينفق رياءً وسُمعةً، وأنه تعالى لا يُحاسبه ولا يجازيه، يعني : أنَّ الله كان يراه وكان عليه رقيباً فيُجازيه عليه.
ثم ذكر نِعمه عليه، فقال :﴿ألم نجعل له عينين﴾ يُبصر بهما المرئيات، ﴿ولساناً﴾ يُعَبِّرُ به عما في ضميره، ﴿وشفتين﴾ يستر بهما فاه، ويستعين بهما على النُطق والأكل والشرب والنفخ وغيرها، ﴿وهديناه النجدين﴾ أي : طريقي الخير والشر المُفضيان إلى الجنة أو النار، فهو كقوله :﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ...﴾ [الإنسان : ٣] الآية. وليس المراد بالهدى معنى الإرشاد، بل معنى الإلهام، أو : الثديين، وأصل النجد : المكان المرتفع، ومنه سُميت نجد، لارتفاعها عما انخفض من الحجاز.
الإشارة : أقسم تعالى ببلد المعاني، التي هي أسرار الذات، ووالد، وهو الروح الأعظم وما تولّد منه من الأرواح الجزئيات، لقد خلق الإنسانَ في كبد : في تعب الظاهر والباطن إلاّ مَن رجع إلى أصله، أعني : روحانيًّا قدسيًّا، فإنه حينئذ يستريح من تعب الطبع. قال الكواشي : عن بعضهم : الإنسان في كبد ما دام قائماً بطبعه، واقفاً بحاله، فإنه في ظلمة وبلاء، فإذا فني عن أوصاف إنسانيته، بفناء طبائعه عنه، صار في راحةٍ. هـ.
٣٠٥


الصفحة التالية
Icon