﴿والسماءِ وما بناها﴾ أي : ومَن بناها، وإيثار " ما " على " مَنْ " لإرادة الوصفيّة تفخيماً، كأنه قيل : والقادر العظيم الذي بناها، وجعلُها مصدرية مخلّ بالنظم الكريم، وكذا في قوله :﴿والأرضِ وما طحاها﴾ أي : بسطها من كل جانب، كـ " دحاها ".
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٨
ونفسٍ وما سوَّاها﴾
أي : والحكيم الباهر الحكمة الذي سوّاها وأتقن صورتها، مستعدة لكمالاتها، والتنكير للتفخيم، على أنَّ المراد نفس آدم عليه السلام أو للتكثير، وهو الأنسب للجواب، أي : ومَن سوّى كلَّ نفس، ﴿فألْهَمَها فجورَها وتقواها﴾ أي : ألهمها طاعتها ومعصيتها، وأفهمها قبح المعصية وحسن الطاعة، أو عَرَّفها طرق الفجور والتقوى، وجعل لها قوة يصح معها اكتساب أحد الأمرين، ويحتمل أن تكون الواو بمعنى " أو " كقوله :﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ [الإنسان : ٣] أي : ألهم مَن أراد شقاوتها فجورها فسعت إليه، وألهم مَن أراد سعادتها تقواها، فسعت إليه. ﴿قد أفلح مَن زَكَّاها﴾ أي : فاز بكل مطلوب، ونجا مِن كل مكروه مَن طَهَّرَها وأصلحها وجعلها زكيةً بالإيمان والطاعة، ﴿وقد خاب مَن دسَّاها﴾ ؛ أغواها، قال عكرمة :" أفلحت نفس زكّاها اللهُ، وخابت نفس أغواها الله " ويجوز أن تكون التدسية والتطهير فعل العبد. والتدسية : النفس والإخفاء، أي : خسر مَن نقصها وأخفاها بالفجور، وأصل دس‍ّى : دسّس، كتقضى وتقضض، فأبدل من الحرف الثالث ياء، قال في الكافية :
وثالث الأمثال أبدلنه ياء
نحو تظنا خالد تظنينا
وجواب القسم محذوف، والتقدير : ليهلكنّ الله مَن كفر من قريش ويُدمدم عليهم كما دمدم على ثمود، وقيل :" قد أفلح " وليس بشيء، وقيل :" كذبت ثمود " على إضمار " قد " والأول أحسن، والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon