﴿كَبُرَ مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾، هو بيان لغاية قُبح ما فعلوا، وفرط سماحته، و " كَبُرَ " جارية مجرى نعم، بزيادة معنى التعجُّب، ومعنى التعجُّب : تعظيم الأمر في قلوب السامعين ؛ لأنّ التعجُّب لا يكون إلاّ مِن شيءٍ خارج عن نظائره، وفي " كَبُرَ " ضمير مبهَم مفسَّر بالنكرة بعده، و " أن تقولوا " هو المخصوص بالذم، وقيل : قصد فيه التعجُّب من غير لفظه، وأُسند إلى " إن تقولوا "، ونصب " مقتاً " على تفسيره، دلالةً على أنّ
٣٣
قولهم ما لا يفعلون مقتٌ خالص لا شوب فيه، كأنه قيل : ما أكبر مقتاً قولهم بلا عمل.
ثم بيَّن ما هو مَرْضِي عنده، بعد بيان ما هو ممقوت بقوله :﴿إِنَّ اللهَ يُحب الذين يُقاتِلون في سبيله﴾، وهو المقصود بالذات من السورة ؛ وقوله :﴿صفًّا﴾ أي : صافِّين أنفسهم، أو مصفوفين، مصدر وقع موقع الحال، ﴿كأنهم بُنيان مرصُوص﴾ ؛ لاصق بعضه ببعض، وقيل : أريد : استواء نيّاتهم في حرب عدوّهم، حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان الذي رُصَّ بعضه إلى بعض، وهو حالٌ أيضاً، أي : مشبّهين بالبنيان الملاصق. قال ابن عرفة : التشبيه في الثبات وعدم الفرار كثبوت البناء ولزومه. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣