الإشارة : ألم يجدك يتيماً فرداً من العلائق، مجرداً مما سوى الله، فآواك إليه، وهي طريقة كل متوجه، لا يأويه الحق إليه حتى يكون يتيماً من الهوى، بل بقلبٍ مُفرد، فيه توحيد مجرد. قال القشيري : ويُقال فآواك إلى بساط القربة، بحيث انفردْتَ بمقامِك، فلم يُشاركك فيه أحد. هـ. ﴿ووجدك ضالاًّ﴾ قيل : متردداً في معاني غوامض المحبة، فهداك بلطفه لها، أو : وجدك مُتحيراً عن إدراك حقيقتنا، فكملناك بأنوار ربوبيتنا حتى أدركتنا بنا، وفي هذا ملاءمة لمعنى الافتتاح. قال القشيري : ويُقال : ضالاًّ عن محبتي لكن فعرَّفْتُك أني أُحبك، ويقال : جاهلاً شرفَك فعرَّفْتُك قَدْرَكَ. هـ. ووجدك عائلاً فقيراً مما سواه، فأغناك به عن كل شيء، إلاّ طلب الزيادة في العلوم والعرفان، فلا قناعة من ذلك، ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [طه : ١١٤]. وفي القوت : إنما أغناه بوصفه، لا بالأسباب، وهو أعز على الله من أن يجعل غناه من الدنيا أو يرضاها له. هـ. وكما أنَّ الله تعالى غَنِيّ بذاته، لا بالأعراض والأسباب، فالرسول ﷺ غَنِيّ بربه لا بالأعراض. قاله في الحاشية. قلت : وكذلك الأولياء ـ رضي الله عنهم ـ سَرَى فيهم اسمه تعالى " الغَنيِّ " فصاروا أغنياء بلا سبب، وما وصّى به الحقٌّ تعالى نبيه ﷺ يُوصَّى به خلفاؤه من قوله :﴿فأمّا اليتيم فلا تقهر...﴾ الخ. وبالله التوفيق. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.
٣٢٠
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٧