ثم رددناه أسفلَ سافلين} أي : جعلناه من أهل النار الذين هم أقبح من كل قبيح، وأسفل من كل سافل، لعدم جريانه على موجب ما خَلَقَه عليه من الصفات، التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين. وقيل : رددناه إلى أرذل العمر، وهو الهرم بعد الشباب، والضعف بعد القدرة، كقوله تعالى :﴿وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾ [يَس : ٦٨] أي : ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتعديل أسفلَ مَن سفُلَ في حُسن الصورة والشكل حيث ننكسه في خلقه، فقوَّس ظهره بعد اعتداله، وابْيَضَّ شعره بعد سواده، وتكمش جلده، وكَلّ سمعه وبصره. ﴿إِلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾، استثناء متصل على التفسير الأول، ومنقطع على الثاني، ﴿فلهم أجرٌ غيرُ ممنونٍ﴾ أي : رددناه أسفل السافلين إلاَّ مَن آمن، أو : لكن الذين آمنوا وكانوا صالحين من الهرمى، فلهم ثواب غير منقطع، لطاعتهم وصبرهم على الشيخوخة والهرم، وعلى مقاساة المشاقّ والقيام بالعبادة، خصوصاً وقت الكبر. وعن أنس قال رسول الله ﷺ :" إذا بلغ المؤمن خمسين سنة خفّف الله حسابه، فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة، فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ ثمانين كُتبت حسناته وتجاوز الله عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين غُفرت ذنوبه، وشفع في أهل بيته، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ مائة ولم يعمل كتب له ما كان يعمله في صحته وشبابه ". ودخلت الفاء هنا دون سورة الانشقاق للجمع بين المعنيين هنا. قاله النسفي. والخطاب في قوله :﴿فما يُكَذِّبُك بعدُ بالدين﴾ للإنسان، على طريقة الالتفات، أي : فما سبب تكذيبك بعد هذا البيان القاطع، والبرهان الساطع بالجزاء، والمعنى : إنَّ خلق الإنسان من نطفةٍ، وتسويته بشراً سويًّا، وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي،
٣٢٥