هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب مِن ديارهم} بالمدينة، أي : هو الذي تولّى إخراجهم، لا بسبب فيه لأحد غيره. واللام في قوله :﴿لأول الحشر﴾ متعلق بأخْرَج، وهو اللام في قوله :﴿قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر : ٢٤] أي : أخرجهم عند أول الحشر، وكونه أول الحشر ؛ لأنّ هذا أول حشرهم إلى الشام، وكانوا مِن سبط لم يُصبهم جلاء قط، وهم أول مَن أُخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام، وآخر حشرهم : إجلاء عُمر إياهم من خيبر إلى الشام، أو : آخر حشرهم : حشر يوم القيامة، قال ابن عباس رضي الله عنه :" مَن شك أنَّ المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية " فهم الحشر الأول، وسائر الناس الحشر الثاني. وقال لهم رسول الله ﷺ لمّا خرجوا :" امضوا، فإنكم أول الحشر ونحن على الأثر " ﴿ما ظننتم أن يخرجوا﴾، لشدة بأسهم، ومَنعَتهم، ووثاقه حصونهم، وكثرة عَددهم وعُدتهم، ﴿وظنوا أنهم مانعتهم حُصُونُهم من الله﴾ أي : ظنوا أنّ حصونهم تمنعهم من بأس الله. والفريق بين هذا التركيب والنظم الذي جاء عليه التنزيل : أنّ في تقديم الخبر على المبتدأ دليلاً على فرط وُثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، وفي مصير ضميرهم اسماً لـ " أن "، وإسناد الجملة إليه، دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة، لا يُبالَى معها
بأحد يتعرض لهم، أو يطمع في مغازيهم، وليس ذلك في قولك : وظنوا أنّ حصونهم تمنعهم. ﴿فأتاهم اللهُ﴾ أي : أمره وعقابه ﴿من حيث لم يحتسبوا﴾ ؛ من حيث لم يظنوا، ولم يخطر ببالهم، حتى قُتل " كعب " رئيسهم على يد أخيه رضاعاً.