ثم بيّن وجه فضلها، فقال :﴿تَنزَّلُ الملائكةُ والروحُ فيها﴾، والروح إمّا جبريل عليه السلام، أو خلق من الملائكة لا تراهم الملائكة إلاّ تلك الليلة، أو الرحمة. والمراد بتنزلهم : نزولهم إلى الأرض يُسلمون على الناس ويؤمِّنون على دعائهم، كما في الأثر. وقيل : إلى سماء الدنيا. وقوله :﴿بإِذنِ ربهم﴾ يتعلق بـ " تنزلُ "، أو بمحذوف هو حال من فاعله، أي : ملتبسين بأمر ربهم، أو : ينزلون بإذنه، ﴿من كل أمرٍ﴾ أي : من أجل كل أمر قضاه الله تعالى لتلك السنة إلى قابل، رُوي أنَّ الله تعالى يُعْلِم الملائكة بكل ما يكون في ذلك العام كله، وقيل : يَبرز ذلك مِن علم الغيب ليلة النصف من شعبان، ويُعْطَى الملائكةً ليلة القدر، فلما كان أهم نزولهم هذا الأمر جعل نزولهم لأجله، فلا ينافي كون نزولهم للتسليم على الناس والتأمين، كما قال تعالى :﴿سلامٌ هيَ﴾ أي : ما هي إلاَّ سلام على المؤمنين، جعلها نفس السلام لكثرة ما يُسلِّمون على الناس، فقد رُوي أنهم يُسلِّمومن على كل قائم وقاعد وقارىء ومُصَلِّ، أو : ما هي إلاِّ سلامة، أي : لا يُقَدِّر الله تعالى فيها إلاّ السلامة والخير، وأمّا في غيرها فيقضي سلامةً وبلاء، وقال ابن عباس : قوله :(هي) إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين ؛ لأنّ هذه الكلمة هي السابعة والعشرون من كلمات السورة.
ثم ذكر غايتها، فقال :﴿حتى مطلَعِ الفجر﴾ أي : تنتهي إلى طلوع الفجر، أو : تُسلِّم الملائكة إلى مطلع الفجر، أو : تنزل الملائكة فوجاً بعد فوج إلى طلوع الفجر. و " مَطْلَع " بالفتح : اسم زمان، وبالكسر مصدر، أو اسم زمان على غير قياس ؛ لأنّ ما يضم مضارعه أو يفتح يتحد فيه الزمان والمكان والمصدر، يعني " مَفْعَل " في الجميع.


الصفحة التالية
Icon