﴿وما تَفَرَّقَ الذين أُوتوا الكتاب إِلاَّ مِن بعد ما جاءتهم البينةٌ﴾ أي : وما اختلفوا في نبوة محمد ﷺ إلاَّ مِن بعد ما عَلِموا أنه حق، فمنهم مَن أنكر حسداً، ومنهم مَن آمن. وإنّما أفرد أهل الكتاب بعدما جمع إولاً بينهم وبين المشركين ؛ لأنهم كانوا على علمٍ به ؛ لوجوده في كتبهم، فإذا وُصفوا بالتفرُّق عنه كان مَن لا كتاب له أدخل في هذا. وقيل : المعنى : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين، أي : منفصلين عن معرفة نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ حتى بعثه الله.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٤
وما أُمروا إِلاَّ ليعبدوا اللهَ﴾
أي : ما أُمروا في التوراة والإنجيل إلاّ لأجل أن يعبدوا الله وحده من غير شرك ولا نفاق، ولكنهم حرّفوا وبدّلوا. وقيل : اللام بمعنى " أن " أي : إلاّ بأن يعبدوا الله ﴿مخلصين له الدينَ﴾ أي : جاعلين دينَهم خالصاً له تعالى، أو : جاعلين أنفسهم خالصة له في الدين. قال ابن جُزي : استدل المالكية بهذا على وجوب النية في الوضوء، وهو بعيد ؛ لأنَّ الإخلاص هنا يُراد به التوحيد وترك الشرك، أو ترك الرياء. انظر كلامه، وسيأتي بعضه في الإشارة. ﴿حنفاءَ﴾ مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام، ﴿ويُقيموا الصلاةَ ويُؤتوا الزكاةَ﴾ إن أريد بهما ما في شريعتهم من الصلاة والزكاة، فالأمر ظاهر، وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في الكتابين أمرهم بالدخول في شريعتنا، ﴿وذلك دِينُ القيِّمة﴾ أي : الملة المستقيمة. والإشارة إلى ما ذكر من عبادة الله وحده وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بعُلو رتبته وبُعد منزلته.


الصفحة التالية
Icon