فمَن يعمل مثقالَ ذرةٍ خيراً يَرَهُ}، والذرة : النملة الصغيرة. وقيل : ما يرى في شعاع الشمس من البهاء. و " خيراً " : تمييز، ﴿ومن يعمل مثقالَ ذرةٍ شراً يَرَهُ﴾ قيل : هذا في الكافر، والأُولى في المؤمنين. وقال ابن عباس رضي الله عنه : ليس مؤمن ولا كافر، عَمِلَ خيراً ولا شرًّا في الدنيا إلاّ يراه في الآخرة، فأمّا المؤمن فيرى حسناته وسيئاته، فيغفر اللهُ سيئاته ويُثيبه بحسناته، وأمّا الكافر فيَرُدُّ اللهُ حسناته ويُعذبه بسيئاته. وقال محمد بن كعب : الكافر يرى ثوابه في الدنيا، في أهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير، والمؤمن يرى عقوبته في الدنيا، في نفسه وأهله وماله، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر. وفي الحديث :" إذا تاب العبدُ عن ذنبه أَنْسَى الله الحفظةَ ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض، حتى يلقى الله وليس عليه شاهد بذنب ". قال ابن جُزي : هو على عمومه في الكافر، وأمّا المؤمنون فلا يُجْزَون بذنوبهم إلاَّ بستة شروط ؛ أن تكون ذنوبهم كِبار، وأن يموتوا قبل التوبة منها، وألاَّ يكون لهم حسنات أرجح في الميزان منها، وألاّ يُشفع فيهم، وألاّ يكونوا ممن استحق المغفرة بعملٍ، كأهل بدر، وإلاّ يعفو الله عنهم، فإنّ المؤمن العاصي في مشيئة الله، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له. هـ.
الإشارة : إذا زُلزلت أرضُ النفوس زلزالها اللائق بها، وحُركت بالواردات والأحوال، وتحققت الغيبة عنها بالكلية، أشرقت شمس العرفان، فغطّت وجودَ الأكوان، كما قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه مُنشِداً :
٣٣٩
فلوا عاينت عيناك يوم تزلزلت
أرض النفوس ودُكت الأجبال
لرأيتَ شمس الحق يسطع نورها
يوم التزلزل والرجال رجال
وأخرجت حينئذ ما فيها من العلوم، يومئذ تُحَدِّث أخبارها : أخبار الأسرار الكامنة فيها، بأنّ ربك أوحى لها إلهاماً. يومئذ يَصْدُر الناسُ من الفناء إلى البقاء، أشتاتاً، فمنهم الغالب حقيقته، ومنهم الغالب شريعته، ومنهم المعتدل. أو : فمنهم الغالب عليه القبض والقوة، ومنهم الغالب عليه البسط والليونة، وهذا أعم نفعاً. والله أعلم. وذلك لِيُروا أعمال مجاهدتهم بالتنعُّم في مشاهدتهم، فمَن يعمل مثقال ذرة خيراً ـ بأن ينقص من نفسه عادةً في سيره ـ يرَ جزاء ذلك، ومَن يعمل مثقال ذرة شرًّا ـ بأن يزيد من الحس شيئاً في الظاهر ـ يره، فإنه ينقص من معناه في الباطن، إلاّ إذا تمكّن من الشهود. وبالله التوفيق وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
٣٤٠
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٨


الصفحة التالية
Icon