والآية إمّا في جنس الإنسان إلاَّ مَن عصمه الله، وهو الأظهر، أو في مُعَيَّن، كالوليد أو غيره. قيل : إنّ رسول الله ﷺ بعث إلى أُناس من بني كنانة سرية، واستعمل عليها المُنذر بن عمرو الأنْصاريّ، وكان أحد النقباء، فأبطأ خبره عنه ﷺ شهراً، فقال المنافقون : إنهم قُتلوا، فنزلت السورة بسلامتها، بشارةً له ﷺ ونعياً على المرجفين وهذا يقتضي أن السورة مدنية، وهو خلاف قول الجمهور، كما تقدّم. ﴿وإِنه﴾ أي : الإنسان ﴿على ذلك﴾ أي : على كنوده ﴿لَشَهِيدٌ﴾ يشهد على نفسه بالكنود، لظهور أثره عليه، ﴿وإِنه لِحُبّ الخير﴾ أي : المال ﴿لَشَدِيدٌ﴾ أي : قويٌّ مُطيق مُجد في طلبه، متهالك عليه، وقيل : لشديد : لبخيل، أي : وإنه لأجل حب المال وثقل إنفاقه عليه لبَخِيل مُمْسِك، ولعل وصفه بهذا الوصف اللئيم بعد وصفه بالكنود للإيماء إلى أنَّ مِن جملة الأمور الداعية المنافقين إلى النفاق حب المال ؛ لأنهم بما يُظهرون من الإيمان يعصمون أموالهم، ويحوزون من الغنائم نصيباً.
ثم هدّد الكَنود، فقال :﴿أفلا يعلمٌ إِذا بُعْثِر ما في القبور﴾ أي : بُعث فيها، و " ما " بمعنى " من "، ﴿وحُصِّلَ ما في الصدور﴾ ؛ مُيِّز ما فيها من الخير والشر، أي : أفلا يعلم مصيره، وأنَّ الله مُطلع عليه، في سيرته وسريرته، فيُجازيه على تفريطه في جنبه وطاعته واتباع هواه وشهواته، فآثر العاجلةَ على الآخرة، وحظوظَه، على حقوق ربه والقيام بعبوديته. ﴿إِنَّ ربهم بهم يومئذٍ لَخبير﴾ أي : عالم بظواهر ما عمِلوا وباطنه، عِلماً موجباً للجزاء، متصلاً به، كما يُنبىء عنه تقييده بذلك اليوم، إلاَّ فعلمه سبحانه مطلق محيط بما كان وما سيكون. وقوله :" بهم " و " يومئذ " يتعلقان بـ " بخبير " قُدما لرعاية الفواصل، واللام غير قادحة، وذلك لما يغتفر في المجرورات، وقرأ ابن السمّاك :" أن ربهم بهم يومئذ خبير ".
٣٤٢