قلت : فكل مَن استعمل الأدب في تناول النعمة، بأن شَهِدَها من المنعِم بها، وذكر الله عند أخذها أو أَكْلِها، وشكر عند تمامها، فلا يتوجه إليه سؤال، أو يتوجه إظهاراً لمزيته وشرفه، وعليه يتنزّل قوله ﷺ :" هذا من النعيم الذي تُسألون عنه " في حديث أبي الهيثم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد، أو بالعلوم الرسمية، عن التوجُّه إلى الله، لتحصيل معرفة العيان، حتى متُّم غافلين، كلاَّ سوف تعلمون عاقبةَ أمركم، حين يرتفع أهل العيان مع المقربين، وتبقوا معاشر أهل الدليل مع عامة أهل اليمين، كلاَّ لو تعلمون علم اليقين ؛ لتوجهتم إليه بكل حال، لَترون الجحيم، أي : نار القطيعة، ثم لَترونها عين اليقين، ثم لتُسألن يومئذ عن النعيم، هل قمتم بشكره أو لا، وشكره : شهود المنعِم في النعمة، فقد رأيتُ في عالم النوم شيخين كبيرين، فقلت لهما : ما حقيقة الشكر ؟ فقال أحدهما : ألاَّ يُعصى بنعمه، فقلت : هذا شكر العوام، فما شكر الخواص ؟ فسكتا، فقلت لهما : شكر الخواص : الاستغراق في شهود المنعِم. هـ. وهو كذلك ؛ لأنَّ عدم العصيان بالنِعم يحصل من بعض الأبرار، كالعُبَّاد والزُهَّاد، بخلاف الاستغراق في الشهود، فإنه خاص بأهل العرفان، أهل الرسوخ والتمكين، وقد تقدّم في سورة المعارج التفريق بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
٣٤٩
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٧


الصفحة التالية
Icon