وقوله تعالى :﴿الذي جَمَعَ مالاً وعدَّدَه﴾ ذّمٌّ لمَن يجمع المال ويُعدده، كائناً مَن كان، والعجب من صُلحاء زماننا، يجمعون القناطير المقنطرة، ويترامون على المقام الكبير من الخصوصية، وما هذا إلاَّ غلط فاحش، فأين يوجد القلب مع نجاسة الدنيا ؟ ! وكيف يطهُر وتُشرق فيه الأنوار، وصور الأكوان منطبعة في مرآته ؟ ! وقد قال بعض العارفين : عبادة الأغنياء كالصلاة على المزابل، وعبادة الفقراء في مساجد الحضرة. هـ. ﴿يحسب أنَّ ماله أخلدهُ﴾، أي : يبقيه بالله، كلا. قال الورتجبي : وَصَفَ الحقُّ تعالى الجاهلَ بالله بأنَّ ماله يُصله إلى الحق، لا والله، لا يصل إلى الحق إلاّ بالحق. وقال أبو بكر بن طاهر : يظن أنَّ مالَه يُوصله إلى مقام الخلد. هـ. كلاَّ، ليُنبذن في الحُطمة التي تحطم كل ما تُصادمه، وهي حب الدنيا، تحطم كل ما يُلقى في القلب من حلاوة المعاملة أو المعرفة، فلا يبقى معها نور قط، وهي نار الله الموقدة، التي تَطَّلع على الأفئدة، فتُفسد ما فيها من الإيمان والعرفان، إنها عليه مؤصدة، يعني أنَّ الدنيا مُطْبقة عليهم، حتى صارت أكبر همومهم، ومبلغ علمهم. قال الورتجبي : لله نيران، نار القهر ونار اللطف، نار قهره : إبعاد قلوب المنكرين عن ساحة جلاله، ونار لطفه نيران محبته في قلوب أوليائه من المحبين والعارفين. ثم قال : عن جعفر : ونيران المحبة إذا اتقدت في قلب المؤمن تحرق كل همّة غير الله، وكل ذِكْرٍ سوى ذكره. هـ. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.
٣٥٣
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٢