إِنَّ شَانِئَكَ} أي : مُبغضك كانئاً مَن كان ﴿هو الأبْتَرُ﴾ الذي لا عَقِب له، حيث لم يبق له نسْل، ولا حُسن ذكر، وأمّا أنت فتبقى ذريتك، وحُسن صيتك، وآثار فضلك إلى يوم القيامة، لأنَّ كل مَن يُولد مِن المؤمنين فهم أولادك وأعقابك، وذِكْرك مرفوع على المنابر، وعلى لسان كل عالم وذاكر، إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر الله، ويُثني بذكرك، ولك في الآخرة ما لا يندرج تحت البيان، فمثلك لا يقال فيه أبتر، إنما الأبتر شانئك المَنْسي في الدنيا والآخرة. قيل : نزلت في العاص بن وائل، كان يُسَمِّي النبيَّ ﷺ حين مات ابنه " عبد الله " : أبتر، ووقف مع النبي ﷺ، فقيل له : مع مَن كنت واقفاً ؟ فقال : مع ذلك الأبتر، وكذلك سمّته قريش أبتر وصُنبوراً، ولمّا قَدِمَ كعب بن الأشرف ـ لعنه الله ـ لمكة، يُحرِّض قريشاً عليه ﷺ قالوا له : نحن أهل السِّقايةِ والسِّدَانة، وأنت سَيِّدُ أهل المدينة، فنحن خير أمْ هذا الصنبور المُنْبَتِر من قومه ؟ فقال : أنتم خير، فنزلت في كعب :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ..﴾ [النساء : ٥١]، الآية، ونزلت فيهم :﴿إن شانئك هو الأبتر﴾.
الإشارة : يُقال لخليفة الرسول، الذي تَخلَّق بخُلقه، وكان على قدمه : إنَّا أعطيناك الكوثر : الخير الكثير، لأنَّ مَن ظفر بمعرفة الله فقد حاز الخير كله " ماذا فقد مَن وجدك " فَصَلّ لربك صلاة القلوب، وانحر نفسك وهواك، إنَّ شانئك ومُبغضك هو الأبتر، وأمَّا أنت فذكرك دائم، وحياتك لا تنقطع، لإنَّ موت أهل التُقى حياة لا فناء بعدها. وقال الجنيد : إن شانئك هو الأبتر، إي : المنقطع عن بلوغ أمله فيك. هـ. وصلّى الله على سيدنا محمد، وآله.
٣٦٢
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon