وأُخرى} أي : ولكم إلى هذه النعمة العظيمة نعمةٌُ أخرى عاجلة ﴿تُحبونها﴾ وترغبون فيها، وفيه شيء من التوبيخ على محبة العاجل. ثم فسَّرها بقوله :﴿نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ﴾ أي : عاجِل، وهو فتح مكة، والنصر على قريش، أو فتح فارس والروم، أو : هل أَدُلكم على تجارةٍ تُنجيكم، وعلى تجارةٍ تُحبونها، وهي نصر وفتح قريب، ﴿وبَشِّر المؤمنين﴾ : عطف على " تؤمنوا " لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل لهم : آمنوا وجاهِدوا يُثبكم الله وينصركم، وبشر أيها الرسول بذلك المؤمنين.
﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصارَ الله﴾ أي : أنصار دينه ﴿كما قال عيسى ابنُ مريمَ للحواريين مَنْ أنصاري إِلى الله﴾ ؟ أي : مَن يكون مِن جندي ومختصاً بي، متوجهاً إلى الله. ظاهره تشبيه كونهم أنصاراً بقول عيسى :﴿مَن أنصاري إلى الله﴾ ولكنه محمول على المعنى، أي : كونوا أنصارَ الله، كما كان الحواريون أنصارَ عيسى، حينما قال لهم : مَن أنصاري إلى الله ؟ ﴿قال الحواريون نحن أنصارُ الله﴾ أي : نحن الذين ينصرون دينه، والحواريون : أصفياؤه، وهم أول مَن آمن به من بني إسرائيل، قاله ابن عباس، وقيل : كانوا اثني عشر رجلاً. وحواري الرجل : صفوته وخاصته، من الحَور، وهو البياض الخالص، وقيل : كانوا قصّارين يُحوِّرون الثياب، أي : يُبيّضونها، وقيل : إنما سُمُّوا حواريين لأنهم كانوا يُطهرون النفوس بإقامتهم الدين والعلم، ولمَّا كفرت اليهود بعيسى عليه السلام، وهَمُّوا بقتله، فرَّ مع الحواريين إلى النصارى بقرية يُقال لها : نصرى، فنصوره، فقاتل اليهودَ بهم مع الحواريين، وهذا معنى قوله تعالى :﴿فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرت طائفةٌ﴾ به، فقاتلوهم ﴿فإيَّدنا الذين آمنوا﴾ بعيسى عليه السلام ﴿على عدوهم﴾ أي : قوّيناهم ﴿فأصبحوا ظاهِرين﴾ ؛ غالبين عليهم.
٣٨


الصفحة التالية
Icon