رب الدار، وشبه ذلك، فبدأ به لاشتراك معناه، وأمَّا المَلك فلا يُوصف به إلاَّ آحاد من الناس، وهم الملوك، ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جيء به بعد الرب، وأمَّا الإله فهوأعلى من المَلك، ولذلك لا يَدَّعي الملوكُ أنهم آلهة، وإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير قاله ابن جزي.
﴿من شَرَّ الوسواس﴾ أي : الموسوس، فالوسواس مصدر، كالزلزال، بمعنى اسم الفاعل، أو سمي به الشيطان مبالغةً، كأنه نفس الوسوسة، و ﴿الخناس﴾ الذي عادته أن يخنس، أي : يتأخر عند ذكر الإنسان ربَّه، ﴿الذي يُوَسْوِسُ في صدور الناس﴾ إذا غفلوا عن ذكر الله، ولم يقل : في قلوب الناس ؛ لأنَّ الشيطان محله الصدور، ويمدّ منقاره إلى القلب، وأمّا القلب فهو بيت الرب، وهو محل الإيمان، فلا يتمكن منه كل التمكُّن، وإنما يحوم في الصدر حول القلب، فلو تمكّن منه لأفسد على الناس كلهم إيمانهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٧٧
قال ابن جزي : وسوسة الشيطان بأنواع كثيرة، منها : فساد الإيمان والتشكيك في العقائد، فإن لم يقدر على ذلك ثبّطه عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل الرياء في الطاعات ليُحبطها، فإن سَلِمَ من ذلك أدخل عليه العجب بنفسه، واستكثار عمله، ومن ذلك : أنه يُوقد في القلب نار الحسد والحقد والغضب، حتى يقود الإنسان إلى سوء الأعمال وأقبح الأحوال. وعلاج وسوسته بثلاثة أشياء، وهي : الإكثار من ذكر الله، والإكثار من الاستعاذة منه، ومن أنفع شيءٍ في ذلك : قراءة سورة الناس. هـ. قلت : لا يقلع الوسوسة من القلب بالكلية إلاّ صُحبة العارفين، أهل التربية، حتى يُدخلوه مقامَ الفناء، وإلاَّ فالخواطر لا تنقطع عن العبد.