ثم ذكر كفرهم بالبعث، فقال :﴿زَعَمَ الذين كفروا أن لن يُبعثوا﴾، الزعم : ادّعاء العلم، فيتعدّى إلى مفعولين، سدّ مسدهما " أن " المخففة، أي : أدّعى أهل مكة أنّ الشأن لن يُبعثوا بعد موتهم، ﴿قل بلى وربي لَتُبعثن﴾، ردًّا لزعمهم وإبطالاً لِما نفوه مؤكَّداً بالقسم، فإن قلْتَ : ما معنى اليمين على شيء أنكروه ؟ قلتُ : هو جائز ؛ لأنّ التهديد به أعظم موقعاً في القلب، فكأنه قيل : ما تنكرونه والله إنه لواقع لا محالة، ﴿ثم لتُنبَّؤنَّ بما عَمِلتم﴾ أي : لتُحاسبن وتُجزون بأعمالكم، ﴿وذلك﴾ أي : ما ذكر من البعث والحساب ﴿على الله يسيرٌ﴾ هيّن، لتحقق القدرة التامة، وقبول المادة للإعادة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٧
الإشارة : ألم يأتكم يا معشر المنكِرين على أولياء زمانكم، خبر مَن أنكر قبلكم، ذاقوا وبالَ أمرهم حيث ماتوا محجوبين عن شهوده، مطرودين عن ساحة قربه، ذاقوا وبال أمرهم في الدنيا ؛ الجزع والهلع وتسليط الخواطر والشكوك، ولهم في الآخرة عذاب البُعد والحِجاب، وسبب ذلك : إنكار الخصوصية عند بشر مثلهم، فكفروا به، وتولَّوا عنه، والله غني عنهم، وعن توجههم، وعن جميع الخلق، زعم الذين كفروا ؛ ستروا الحق بالخلق، أي : احتجبوا بالخلق عن شهود الحق، أن لن يُبعثوا على معتقدهم، قل : بلى وربي لتُبعثن، كما عشتم محجوبين عن رؤية الحق إلاّ نادراً ؛ لأنَّ العبد يموت على ما عاش، ويُبعث على ما مات، من معرفةٍ أو نكران، ثم لتُحاسبن على أعمالكم، لا يغادَر منها صغيرة ولا كبيرة، بخلاف العارفين، لا يُرفع لهم ميزان، ولا يتوجه لهم حساب، حيث
٥٨
فَنوا عن أنفسهم، وبقوا بالله، وهم من السبعين ألفاً. وبالله التوفيق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٧
قلت : الفاء في قوله ﴿فأمِنوا﴾ فصيحة، مفصحة عن شرط مقدّر، أي : إذا كان الأمر كما ذكرنا من وقوع البعث لا محالة فآمِنوا وتأهّبوا له.