﴿إِلاَّ أن يأتين بفاحشةٍ مبيِّنة﴾، قيل : الزنا، فيخرجن لإقامة الحد، قاله الليثي والثعلبي، وقيل : سوء الكلام وإظهار الفحش مع الأصْهار، فتخرج ويسقط حقها من السكنى، وتلزمها الإقامة في مسكن تتخذه حفظاً للنسب. قاله ابن عباس، ويؤيده : قراءة أُبي :" إلاَّ أن يفحشن عليكم "، وقيل : جميع المعاصي من القذف والسرقة وغير ذلك. قاله ابن عباس أيضاً. ومال إليه الطبري. وقيل : الخروج من بيتها خروجَ انتقال، متى فعلت ذلك سقط حقها. قاله ابن الفرس، وإلى هذا ذهب مالك في المرأة إذا نشزت في
٦٦
العدة، وقيل : هو النشوز قبل الطلاق، فإذا طلّقها بسبب نشوزها فلا سكنى على زوجها قاله قتادة.
﴿وتلك حدودُ الله﴾ أي : تلك الأحكام المذكورة هي حدود الله التي عيّنها لعباده، ﴿ومَن يَتَعَدَّ حدودَ الله﴾ المذكورة، بأن يُخلّ بشيء منها، على أنَّ الإظهار في محل الإضمار لتهويل أمر التعدي، والإشعار بعلة الحكم، ﴿فقد ظَلَمَ نفسه﴾ ؛ أضرَّ بها، إذ لعله يندم. والتفسير بتعريضها للعذاب يأباه قوله :﴿لا تدري لعل اللهَ يُحدِثُ بعد ذلك أمراً﴾ فإنه استئناف مسوق لتعليل مضمون الشرطية، وقد قالوا : إنَّ الأمر الذي يُحدثه اللهُ تعالى : هو أن ينقلب قلبه بُغضها إلى محبتها، أو : من الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ويندم، فلا بد أن يكون الظُلم عبارة عن ضرر دنيوي يلحقه بسبب تعدِّيه، وهو الندم إن كان طلَّق ثلاثاً، فيمنع من الرجعة، أو : الحياء، إن كان إخراجها من المسكن بلا سبب، أو : فقد ظَلَمَ نفسَه بتعريضها للعذاب الشامل ؛ الدنيوي والأخروي، حيث خالف ما أمره سيده. ﴿لاتدري﴾ أيها المخاطب ﴿لعل اللهُ يُحِدثُ بعد ذلك أمراً﴾ وهو الرجعة، والمعنى : أحصوا العِدَّة وامتثلوا ما أُمرتم به، لعل الله يُحدث الرجعة لنسائكم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٥