" صفحة رقم ١٠٧ "
تفعلوا ولن تفعلوا ( فما فعلوا ولا قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم. ولما سمع الوليد بن المغيرة قوله تعالى :( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ( الآية قال : والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما هو بكلام بشر. وذكر أبو عبيدة أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ فاصدع بما تؤمر فسجد وقال : سجدت لفصاحته، وكان موضع التأثير في هذه الجملة هو كلمة اصدع في إبانتها عن الدعوة والجهر بها والشجاعة فيها، وكلمة بما تؤمر في إيجازها وجمعها. وسمع آخر رجلا يقرأ فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا فقال : أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام. وكون النبي ( ﷺ ) تحدى به وأن العرب عجزوا عن معارضته مما علم بالضرورة إجمالا وتصدى أهل علم البلاغة لتفصيله، قال السكاكي في المفتاح : واعلم أن شأن الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها، أو كالملاحة.
ومدرك الإعجاز عندي هو الذوق ليس إلا. وطريق اكتساب الذوق طول خدمة هذين العلمين المعاني والبيان نعم للبلاغة وجوه متلثمة ربما تيسرت إماطة اللثام عنها لتجلى عليك، أما نفس وجه الإعجاز فلا ا هـ.
قال التفتزاني يعني أن كل ما ندركه بعقولنا ففي غالب الأمر نتمكن من التعبير عنه، والإعجاز ليس كذلك لأنا نعلم قطعا من كلام الله أنه بحيث لا تمكن للبشر معارضته والإتيان بمثله ولا يماثله شيء من كلام فصحاء العرب مع أن كلماته كلمات كلامهم، وكذا هيئات تراكيبه، كما أنا نجد كلاما نعلم قطعا أنه مستقيم الوزن دون آخر، وكما أنا ندرك من أحد كون كل عضو منه كما ينبغي وآخر كذلك أو دون ذلك، لكن فيه شيء نسميه الملاحة ولا نعرف أنه ما هو، وليس مدرك الإعجاز عند المصنف سوى الذوق وهو قوة إدراكية لها اختصاص بإدراك لطائف الكلام ووجوه محاسنه الخفية، فإن كان حاصلا بالفطرة فذاك وإن أريد اكتسابه فلا طريق إليه سوى الاعتناء بعلمي المعاني والبيان وطول ممارستهما والاشتغال بهما، وإن جمع بين الذوق الفطري وطول خدمة العلمين فلا غاية وراءه، فوجه الإعجاز أمر من جنس البلاغة والفصاحة لا كما ذهب إليه النظام وجمع من المعنزلة أن إعجازه بالصرفة بمعنى أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب قدرتهم عليها، ولا كما ذهب إليه جماعة من أن إعجازه بمخالفة أسلوبه لأساليب كلامهم من الأشعار والخطب والرسائل لا سيما في المقاطع