" صفحة رقم ١٣٠ "
ذلك ؟ قال بلى وذلك قبل تحريم الرهان، فلما كانت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس وأسلم عند ذلك كثير من قريش. وقوله ) وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ( وقوله ) لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ( فما حدث بعد ذلك من المراكب منبأ به في هذه الآية. وقوله ) إنا فتحنا لك فتحا مبينا ( نزلت قبل فتح مكة بعامين. وقوله ) لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ). وأعلن ذلك الإعجاز بالتحدي به في قوله تعالى في شأن القرآن ) وأن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ( إلى قوله ) ولن تفعلوا ( فسجل أنهم لا يفعلون ذلك أبدا وكذلك كان، كما بيناه آنفا في الجهة الثالثة.
وكأنك بعد ما قررناه في هذه المقدمة قد صرت قديرا على الحكم فيما اختلف فيه أئمة علم الكلام من إعجاز القرآن للعرب هل كان بما بلغه من منتهى الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وما احتوى عليه من النكت والخصوصيات التي لا تقف بها عدة، ويزيدها النظر مع طول الزمان جدة، فلا تخطر ببال ناظر من العصور الآتية نكتة أو خصوصية إلا وجد آيات القرآن تتحملها بحيث لا يمكن إيداع ذلك في كلام إلا لعلام الغيوب وهو مذهب المحققين، أة كان الإعجاز بصرف الله تعالى مشركي العرب عن الإتيان بمثله وأنه لولا أن الله سلبهم القدرة على ذلك لأمكن أن يأتوا بمثله لأنه مما يدخل تحت مقدور البشر، ونسب هذا إلى الحسن الأشعري وهو منقول في شرح التفتزاني على المفتاح عن النظام وطائفة من المعتزلة، ويسمى مذهب أهل الصرفة، وهو الذي قال به ابن حزم في كتابه في الملل والنحل.
والأول هو الوجه الذي اعتمده أبو بكر الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن، وأبطل ما عداه بما لا حاجة إلى التطويل به، وعلى اعتباره دون ائمة العرب علم البلاغة، وقصدوا من ذلك تقريب إعجاز القرآن على التفصيل دون الاجمال، فجاءوا بما يناسب الكامل من دلائل الكمال.