" صفحة رقم ١٣٢ "
وأَيَّاً ما كان ففاتحة وصفٌ وُصِفَ به مبدأ القرآن وعومِل معاملة الأسماء الجنسية، ثم أضيف إلى الكتاب ثم صار هذا المركب علماً بالغلبة على هذه السورة.
ومعنى فتحها الكتاب أنها جعلت أول القرآن لمن يريد أن يقرأ القرآن من أوله فتكون فاتحةً بالجعل النبوي في ترتيب السور، وقيل لأنها أول ما نزل وهو ضعيف لما ثبت في ( الصحيح ) واستفاض أن أول ما أنزل سورة ) اقرأ باسم ربك ( ( العلق : ١ )، وهذا مما لا ينبغي أن يتردد فيه. فالذي نجزم به أن سورة الفاتحة بعد أن نزلتْ أَمَر الله رسولَه أن يجعلها أول ما يقرأ في تلاوته.
وإضافة سورة إلى فاتحة الكتاب في قولهم سُورة فاتحة الكتاب من إضافة العام إلى الخاص باعتبار فاتحة الكتاب عَلَماً على المقدار المخصوص من الآيات من ) الحمد لله إلى الضالين ( ( الفاتحة : ٢ ٧ )، بخلاف إضافة سورة إلى ما أضيفت إليه في بقية سور القرآن فإنها على حذف مضاف أي سورة ذكر كذا، وإضافة العام إلى الخاص وردت في كلام العرب مثل قولهم شَجرُ الأَراك ويومُ الأحد وعِلمُ الفقه، ونراها قبيحة لو قال قائل إنسانُ زيدٍ، وذلك بادٍ لمن له أدنى ذوق إلا أن علماء العربية لم يُفصحوا عن وجه الفرق بين ما هو مقبول من هذه الإضافة وبين ما هو قبيح فكان حقاً أَن أُبَيِّن وجهه : وذلك أن إضافة العام إلى الخاص تحسن إذا كان المضاف والمضاف إليه اسمي جنس وأولهما أعم من الثاني، فهنالك يجوز التوسع بإضافة الأعم إلى الأخص إضافة مقصوداً منها الاختصار، ثم تُكسبها غلبةُ الاستعمال قبولاً نحو قولهم شجرُ الأراك، عوضاً عن أن يقولوا الشجر الذي هو الأراك، ويوم الأحد عوضاً عن أن يقولوا يوم هو الأحد وقد يكون ذلك جائزاً غير مقبول لأنه لم يشع في الاستعمال كما لو قلت حيوانُ الإنسان ؛ فأما إذا كان أحد المتضايفين غير اسم جنس فالإضافة في مثله ممتنعة فلا يقال إنسانُ زيد ولهذا جُعل قولُ الناس : شهرُ رمضان عَلماً على الشهر المعروف بناء على أن لفظ رمضان خاص بالشهر المعروف لا يحتمل معنى آخر، فتعيّن أن يكون ذكر كلمة شهر معه قبيحاً لعدم الفائدة منه لولا أنه شاع حتى صار مجموع المركب الإضافي علماً على ذلك الشهر.
ويصح عندي أن تكون إضافة السورة إلى فاتحة الكتاب من إضافة الموصوف إلى الصفة، كقولهم مسجدُ الجامع، وعِشَاء الآخرة، أي سورة موصوفة بأنها فاتحة الكتاب