" صفحة رقم ١٦٧ "
إِليه هنا، إلا أن يجاب بأن العالمين لا يشمل إلا عوالم الدنيا، فيحتاج إلى بيان أنه ملك الآخرة كما أنه ملك الدنيا، وإن كان الأكثر في كلام العرب ورود الرب بمعنى الملك والسيد وذلك الذي دعا صاحب ( الكشاف ) إلى الاقتصار على معنى السيد والملك وجوز فيه وجهي المصدرية والصفة، إلا أن قرينة المقام قد تصرف عن حمل اللفظ على أكثر موارده إلى حمله على ما دونه فإن كلا الاستعمالين شهير حقيقي أو مجازي والتبادر العارض من المقام المخصوص لا يقضي بتبادر استعماله في ذلك المعنى في جميع المواقع كما لا يخفي. والعرب لم تكن تخص لفظ الرب به تعالى لا مطلقاً ولا مقيداً لما علمت من وزنه واشتقاقه. قال الحرث بن حلزة :
وهُوَ الرب والشهيدُ على يو
م الحِيارَيْن والبلاء بلاء
يعني عَمْرو بن هند. وقال النابغة في النعمان بن الحارث :
تخُبُّ إلى النعمان حتى تناله
فِدًى لك من ربَ طرِيفي وتالدي
وقال في النعمان بن المنذر حين مرض :
ورَبٌّ عليه الله أحسن صنعه
وكان له على البرية ناصرا
وقال صاحب ( الكشاف ) ومن تابعه : إنه لم يطلق على غيره تعالى إلا مقيداً أو لم يأتوا على ذلك بسند وقد رأيتَ أن الاستعمال بخلافه، أما إطلاقه على كل من آلهتهم فلا مرية فيه كما قال غاوي بن ظالم أو عباس بن مرداس :
أَرَبٌّ يبولُ الثُّعْلُبَانُ برأْسِه
لقد هان من بالت عليه الثعالبُ
وسموا العزى الرَّبة. وجمْعه على أرباب أدل دليل على إطلاقه على متعدد فكيف تصح دعوى تخصيص إطلاقه عندهم بالله تعالى ؟ وأما إطلاقه مضافاً أو متعلقاً بخاص فظاهر وروده بكثرة نحو رب الدار ورب الفرس ورب بني فلان.
وقد ورد الإطلاق في الإسلام أيضاً حين حكى عن يوسف عليه السلام قوله :( إنه ربي أحسن مثواي ( ( يوسف : ٢٣ ) إذا كان الضمير راجعاً إلى العزيز وكذا قوله :( أأرباب متفرقون خير ( ( يوسف : ٣٩ ) فهذا إطلاق للرب مضافاً وغير مضاف على غير الله تعالى في الإسلام لأن اللفظ عربي أطلق في الإسلام، وليس يوسفُ أطلَقَ هذا اللفظ بل أطلق مرادفه فلو لم يصح التعبير بهذا اللفظ عن المعنى الذي عبر به يوسف لكان في غيره من ألفاظ العربية مَعْدَل، إنما ورد في الحديث النهي عن أن يقول


الصفحة التالية
Icon