" صفحة رقم ١٧٢ "
وجواد فياض، وعالم نحرير، وخطيب مصقع، وشاعر مفلق، وقد رأيت للمفسرين في توجيه الارتقاء من الرحمن إلى الرحيم أجوبة كثيرة مرجعها إلى اعتبار الرحمن أخص من الرحيم فتعقيب الأول بالثاني تعميم بعد خاص ولذلك كان وصف الرحمن مختصاً به تعالى وكان أول إطلاقه مما خصه به القرآن على التحقيق بحيث لم يكن التوصيف به معروفاً عند العرب كما سيأتي. ومدلول الرحيم كون الرحمة كثيرة التعلق إذ هو من أمثلة المبالغة ولذلك كان يطلق على غير الله تعالى كما في قوله تعالى في حق رسوله ) بالمؤمنين رؤوف رحيم ( ( التوبة : ١٢٨ ) فليس ذكر إحدى الصفتين بمغن عن الأخرى :
وتقديم الرحمن على الرحيم لأن الصيغة الدالة على الإتصاف الذاتي أولى بالتقديم في التوصيف من الصفة الدالة على كثرة متعلقاتها. وينسب إلى قطرب أن الرحمن والرحيم يدلان على معنى واحد من الصفة المشبهة فهما متساويان وجعل الجمع بينهما في الآية من قبيل التوكيد اللفظي ومال إليه الزجاج وهو وجه ضعيف إذ التوكيد خلاف الأصل والتأسيس خير من التأكيد والمقام هنا بعيد عن مقتضى التوكيد. وقد ذكرت وجوه في الجمع بين الصفتين ليست بمقنعة.
وقد ذكر جمهور الأئمة أن وصف الرحمن لم يطلق في كلام العرب قبل الإسلام وأن القرآن هو الذي جاء به صفة لله تعالى فلذلك اختص به تعالى حتى قيل إنه اسم له وليس بصفة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى :( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمن ( ( الفرقان : ٦٠ ) وقال :( وهم يكفرون بالرحمان ( ( الرعد : ٣٠ ) وقد تكرر مثل هاتين الآيتين في القرآن وخاصة في السور المكية مثل سورة الفرقان وسورة الملك وقد ذكر الرحمن في سورة الملك باسمه الظاهر وضميره ثماني مرات مما يفيد الاهتمام بتقرير هذا الاسم لله تعالى في نفوس السامعين فالظاهر أن هذا الوصف تنوسي في كلامهم، أو أنكروا أن يكون من أسماء الله.
ومن دقائق القرآن أنه آثر اسم الرحمن في قوله :( ما يمسكهن إلا الرحمن في سورة الملك ( ١٩ )، وقال : ما يمسكهن إلا الله في سورة النحل ( ٧٩ ) إذ كانت آية سورة الملك مكية وآية سورة النحل القدر النازل بالمدينة من تلك السورة، وأما قول بعض شعراء بني حنيفة في مسيلمة :
سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أباً
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
فإنما قاله بعد مجىء الإسلام وفي أيام ردة أهل اليمامة، وقد لقبوا مسيلمة أيامئذٍ رحمان اليمامة وذلك من غلوهم في الكفر. وإجراء هذين الوصفين العليين على اسم الجلالة بعد


الصفحة التالية
Icon