" صفحة رقم ١٧٧ "
رحمته، ثم وصف بأنه مَلِك يوم الدين وهو وَصْف بما هو أعظم مما قبله لأنه ينبىء عن عموم التصرف في المخلوقات في يوم الجزاء الذي هو أول أيام الخلود، فمَلِك ذلك الزمان هو صاحب المُلك الذي لا يشذ شيء عن الدخول تحت مُلكه، وهو الذي لا ينتهي ملكه ولا ينقضي، فأين هذا الوصف من أوصاففِ المبالغة التي يفيضها الناس على أعظم الملوك مثل مَلِك الملوك ( شَاهَانْ شَاهْ ) ومَلِك الزمان ومَلِك الدنيَا ( شاهْ جَهان ) وما شابه ذلك. مع ما في تعريف ذلك اليوم بإضافته إلى الدين أي الجزاء من إدماج التنبيه على عدم حكم الله لأن إيثار لفظ الدين ( أي الجزاء ) للإشعار بأنه معاملة العَامل بما يعادِل أَعماله المَجْزِيَّ عليها في الخير والشر، وذلك العدلُ الخاص قال تعالى :( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ( ( غافر : ١٧ ) فلذلك لم يقلْ ملك يوم الحساب فوَصفُه بأنه ملك يَوممِ العدل الصِّرف وصف له بأشرف معنى المُلك فإن الملوك تتخلد محَامدهم بمقدار تفاضلهم في إقامة العدل وقد عرف العرب المِدْحةَ بذلك. قال النابغة يمدح الملك عَمْرو بن الحارث الغساني ملك الشام :
وكَم جزَانَا بأَيْدٍ غَيرِ ظالمة
عُرْفاً بعُرف وإنكاراً بإنكارِ
وقال الحارث بن حلزة يمدح الملك عَمرو بن هند اللخمي ملك الحِيرة :
مَلِك مُقْسِطٌ وأَفْضَلُ مَنْ يَمْ
شِي ومن دون مَا لَدَيْه القَضَاء
وإجراء هذه الأوصاف الجليلة على اسمه تعالى إيماء بأن موصوفها حقيق بالحمد الكامل الذي أعربت عنه جملة ) الحمد لله (، لأن تقييد مُفاد الكلام بأوصاف مُتَعَلَّق ذلك المفاد يُشعر بمناسبة بين تلك الأوصاف وبين مُفاد الكلام مُناسبة تفهم من المقام مثل التعليل في مقام هذه الآية.
٥ ) ) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ).
إذا أتم الحامِدُ حَمْد ربه يأخذ في التوجه إليه بإظهار الإخلاص له انتقالاً من الإفصاح عن حق الرب إلى إظهار مراعة ما يقتضيه حقه تعالى على عبده من إفراده بالعبادة والاستعانة. فهذا الكلام استئناف ابتدائي.
ومُفَاتَحَة العظماء بالتمجيد عند التوجه إليهم قَبْلَ أن يخاطَبوا طريقة عربية. روى


الصفحة التالية
Icon