" صفحة رقم ١٩٨ "
الأسفل من النار ودون الغضب الكراهية فقد ورد في الحديث :( ويَكْرَهُ لكم قيلَ وقال وكثرةَ السؤال )، ويقابلهما الرضى والمحبة وكل ذلك غيرُ المشيئة والإرادةِ بمعنى التقدير والتكويننِ، ) ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ( ( الزمر : ٧ ) ) ولو شاء ربك ما فعلوه ( ( الأنعام : ١١٢ ) ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً ( ( يونس : ٩٩ ) وتفصيل هذه الجملة في علم الكلام.
واعلم أن الغضب عند حكماء الأخلاق مبدأ من مجموع الأخلاق الثلاثة الأصلية التي يعبر عن جميعها بالعدالة وهي : الحكمة والعفة والشجاعة، فالغضب مبدأ الشجاعة إلا أن الغضب يعبر به عن مبدأ نفساني لأَخلاق كثيرة متطرفةٍ ومعتدلة فيلقِّبون بالقوة الغضبية ما في الإنسان من صفات السَّبُعِية وهي حب الغلبة ومن فوائدها دفع ما يضره ولها حد اعتدال وحد انحراف فاعتدالها الشجاعة وكِبَر الهمة، وثباتُ القلب في المخاوف، وانحرافُها إما بالزيادة فهي التهور وشدة الغضب من شيء قليل والكبرُ والعُجب والشراسةُ والحِقْد والحَسَد والقَساوة، أو بالنقصان فالجبن وخور النفس وصغر الهمة فإذا أُطلق الغضب لغةً انصرف إلى بعض انحراف الغضبية، ولذلك كان من جوامع كَلِم النبيء ( ﷺ ) ( أن رجلاً قال له أوصني قال : لا تغضب فكرَّرَ مِراراً فقال : لا تغضب ) رواه الترمذي. وسُئل بعض ملوك الفرس بم دام ملككم ؟ فقال : لأنا نعاقب على قدر الذنب لا على قدر الغضب. فالغضب المنهى عنه هو الغضب للنَّفس لأنه يصدر عنه الظلم والعدوان، ومن الغضب محمودٌ وهو الغضب لحماية المصالح العامة وخصوصاً الدينية وقد ورد أن النبيء كان لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت حرمة من حرمات الله غضب لله.
وقوله :( ولا الضالين ( معطوف على ) المغضوب عليهم ( كما هو متبادر، قال ابن عطية، قال مكي ابن أبي طالب إن دخول ( لا ) لدفع توهم عطف ( الضالين ) على ( الذين أَنْعَم عليهم )، وهو توجيه بعيد فالحق أن ( لا ) مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من لفظ ( غير ) على طريقة العرب في المعطوف على ما في حيز النفي نحو قوله :( أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ( ( المائدة : ١٩ ) وهو أسلوب في كلام العرب. وقال السيد في ( حواشي الكشاف ) لئلا يتوهم أن المنفي هو المجموع فيجوِّز ثبوتَ أحدهما، ولما كانت غير في معنى النفي أجريت إعادة النفي في المعطوف عليها، وليست زيادة ( لا ) هنا كزيادتها في نحو :( ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك ( ( الأعراف : ١٢ ) كما توهمه بعض المفسرين ؛ لأن